حفنة من أساسيات تقنيات المعلومات والتواصل في المجال التنموي
بقلم ألفونسو غوموسيو- داغرون

رأس الحربة

عرفت تقنيات المعلومات والتواصل (أي.سي.تي)، والإنترنت من بينها بشكل خاص، نمواً سريعاً خلال السنوات العشرة الأخيرة. لا يزال عدد رواد الإنترنت يتضاعف منذ العام 1995. لم تعرف أي من التقنيات الشبيهة في الماضي سرعة شبيهة في النمو. احتاج جهاز الراديو عقوداً من الزمن قبل أن يعتمده سكان المناطق الريفية الفقيرة في العالم ويضحي وسيلة التواصل الأهم بالنسبة إلى العديد من الجماعات المهمشة. ما زال التلفزيون يناضل لكسب دور شبيه، مستخدماً سلاح القنوات الفضائية، علماً أن جهاز الفيديو المحمول برهن عن إمكانيته في أداء أدوار التربوية. من جهتها، باتت الإنترنت موضة ترافق الحياة وتتلقى دعماً لافتاً من كل من القطاعين الخاص والعام على حد سواء لتكون "رأس حربة" الثورة التكنولوجية، تلك الثورة التي تدّعي أنها إجتماعية أيضاً. سنرى في ما يلي إلى أي حد يمكن الحديث عن "ثوريتها" الإجتماعية.

التكافل

أبرز عنصر مؤثر في سرعة انتشار تقنيات المعلومات والتواصل الحديثة في بلدان العالم الثالث (1) لا يكمن في الإنترنت، بحد ذاته، وإنما في قدرته على التفاعل مع وسائل إلكترونية أخرى كالراديو، وبطبيعة الحال، التلفزيون. وهو يعتبر تقاطعاً شبيهاً، ومن دون أدنى شك، وأفضل خيارات المستقبل، على اعتبار أن تقنيات المعلومات والتواصل وجدت لتبقى. ستستفيد أسس الإنترنت التكنولوجية من تجربة الخمسين عاماً التي عرفها راديو الجماعات، إن أريد لها أن تكون أداة تغيير إجتماعي، حسبما يأملون. بالمقابل، سيستفيد الراديو والتلفزيون، حكماً، من السرعة والتغطية التي تؤمنهما تقنيات المعلومات والتواصل الحديثة. يبدّل هذا التكافل حالياً وفعلياً من شكل مقاربة التقنيات التنموية في البلدان الصناعية، أما المفاهيم الاجتماعية التي عليه أن يحويها فخطاها لا تزال متخلفة.

يحافظ الراديو في الإطار الريفي، على موقعه المتقدم كأبرز أداة للتواصل التنموي. فهو ليس فحسب آلية هامة تبث المعلومات التنموية باللغات المحلية وعلى مساحة أراض واسعة ونائية، وإنما هو أيضاً أداة رائعة التأثير عند الحديث عن تثبيت الهوية الثقافية والخصوصيات الإثنية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للراديو أن يؤدي دور رافعة النقاش الديمقراطي والتعددية في الرأي بين الجماعات الريفية، تماماً كما يمكن له أن يكون وسيلة لنشر الوعي الاجتماعي ولجمع المعلومات الرقمية في مجالات التنمية المحلية. يمكن له، أيضاً، أن يساهم في تدعيم الكبرياء المحلية من خلال استعادة ذاكرة الجماعة وتاريخها.

هل يمكن لتقنيات المعلومات والتواصل الحديثة أن تؤدي دوراً شبيهاً؟ هو واجب عليها إن أرادت أن تستمر وأن تساهم في التغيير والتنمية الاجتماعيين.

«أي. سي. تي» (ICT) أرض الأحلام

استقبلت تقنيات المعلومات الحديثة بالتهليل على اعتبار أنها الحل الذي طال انتظاره لمشكلة الفقر في العالم. يصل الأمر ببعض المنظمات شديدة التفاؤل، أو غير الملمة بتفاصيل العمل على الأرض، حدّ الحديث عن «فرصة درامية لتنفيذ قفزة سريعة باتجاه المستقبل تخرج بالعالم من عقود الركود والانحدار» (2). ترى تلك المنظمات أنه بوسع تقنيات المعلومات والتواصل أن تنقل للمهمشين والفقراء، بسهولة الحقيقة حول التنمية وأن تمدّهم بالمعلومات التي ستحثهم ليتخذوا، بأنفسهم، الخطوات اللازمة لتحسين أوضاعهم.

ينظر إلى تقنيات المعلومات والتواصل على أنها نار المعرفة التي نقلتها رأفة الحكيم بروميثيوس من البلدان الصناعية إلى شعوب العالم المغضوب عليه (3).. على الرغم من أنه يجب على بروميثيوس العصري هذا أن يعيً إلى أن محاولته هذه المرة تبقى شبيهة جداً بعملية «ضخ الابتكارات» الفاشلة التي درجت خلال الستينيات، خاصة في بلدان العالم الزراعي. المبدأ هو ذاته: أمّن الوسائل التكنولوجية للجماعات المهمشة فيتحرر الناس من الفقر. ببساطة، لم يحصل ذلك. وحسبما كتب كوندا ديكسيت:
«تماماً كما هو الحال في صناعة الموضة، يبدو أن النقاش حول تنمية العالم الثالث يمر بحالات هوس وموديلات. أسلوب خاص يأتي وآخر يغيب. الكلمة «الضاربة» أخيراً هي: المعرفة. العالم اليوم هو مجتمع معرفة، حسبما يقولون لنا، والهوة الفاصلة كونياً بين عارف وجاهل تتسع. لذلك، ولإعطاء الفقير فرصة اللحاق بالركب المتنور، يجب ضخ المزيد من المعرفة بواسطة الكومبيوتر ومن خلال الإنترنت». ومن بين مخاطر تفكير شبيه، يكمل ديكسيت، «يبرز مدمن المعرفة الذي يغرينا بتركيز الاهتمام حصرياً باتجاه المعرفة العصرية الشكلية، كونها وحدها تستأهل الاهتمام». (4)

يمكن لقراءة مختصرة في التاريخ أن تساعد على تفادي الأخطاء التي وقعت قديما،ً كما يمكن لها أن تؤمن فهماً أكثر تكاملاً لجذور الفقر العميقة: أسباب التخلّف الحقيقية هي غياب العدالة الاجتماعية، واستغلال الدول الغنية للدول الفقيرة، واستغلال الطبقات العليا الغنية داخل البلد ذاته للطبقات الفقيرة فيه، علماً أن تلك الطبقات الغنية هي التي تتحكم بالسلطة، بالمؤسسات المالية، وبالخدمات والقطاعات المنتجة. المعرفة، وحدها، قادرة على أن تبدّل وضعاً شبيهاً.

«إن بنيته، وسيأتون إليه» (5). وفي عالم أحلام المروّجين لتقنيات المعلومات والتواصل، تبدو الصورة بسيطة: تقنيات المعلومات والتواصل بالإضافة إلى الاتصال بالإنترنت هي، بحد ذاتها، الحل لمشكلتي الفقر والتخلّف. ضع أجهزة الكمبيوتر الموصولة بالإنترنت في متناول الفقراء فيتمكنون، بسحر ساحر، من هزيمة الفقر. يشعر المستشارون الأجانب بالسعادة عندما تطأ أقدامهم أرض القرى الأكثر انعزالاً في مالي أو بوليفيا. بينما يستكين جهاز الكمبيوتر المحمول فوق أكتافهم، سيستعرضون أمام السكان شاشتهم السحرية وهي تنشط، تماماً كما استخدم الإسبانيون المرآة المشعّة لإخضاع شعوب الإنكا والأزتيكيين عند فتحهم أميركا.

خلال عملية خلق الأفكار ـ أو جعلها أكثر ملاءمة ـ يعشق الأكاديميون وأبطال التجارة ومديرو التنمية في أوروبا وشمال أميركا اختراع الأسماء المركبة والطنانة ليطلقوها، في أكثر الأحيان، على ما يتمتع بوجود وباسم سبق وصولهم. نحن اليوم في عز موضة حرف « e » (إي) اللاتيني، الذي يختصر كلمة « electronics »، أي «إلكتروني» والذي بات يسبق كل كلمة جوهرية: «تجارة إلكترونية»، «عناية إلكترونية»، «تعليم إلكتروني»، «دعم إلكتروني»، «حكومة إلكترونية»، «بريد إلكتروني»، «منتدى إلكتروني»، «مجموعات إلكترونية»، ... ووصل بهم الأمر حد الإعلان عن «التنمية الإلكترونية». يقترح بيتر بالانتاين أن على حرف « e » أن يختصر كلمات تعني: «فعّال» و«مقوّي» و«مفيد».

«بدلاً من التفكير بالتنمية الإلكترونية كشيء إلكتروني ـ التنمية وهي رقمية ـ علينا أن نرى التنمية الإلكترونية كمقاربة مختلفة وأكثر فاعلية لممارسة تنمية يحضر فيها حرف « e » ليقول: فعّال ـ تنمية فعّالة تنتج عن استخدام تقنيات المعلومات والتواصل لتطوير النوعية على مقياس الحاجة، فيتم التأكد بعدها من أن الأهداف والأغراض قد تحققت، بالفعل» (6).

التنمية هي عملية مركّبة تحتاج أكثر بكثير من زرع بذور تقنيات المعلومات والتواصل في الأرياف الفقيرة أو في أحياء المدينة المهمشة. لو كانت على هذا القدر من السهولة فلم نكن لنرى الأحداث الدرامية التي شهدتها الأرجنتين في مطلع العام 2002. بلد متطور، طليعي في اعتماد تقنيات المعلومات والتواصل، يتمتع بجودة النظام الهاتفي والخدمة الكهربائية، يقع في أزمة اقتصادية واجتماعية قاسية، يتخلّف بدلاً من تنفيذ «قفزة سريعة» باتجاه المستقبل (7). تقنيات المعلومات والتواصل ليست حلاً سحرياً لأي شيء، وإنما هي أقل من ذلك بكثير في ظل العولمة التي يُقاد العالم باتجاهها.

تلك ليست المرة الأولى التي تواجهنا فيها فكرة التكنولوجيا كدواء قادر وحده على إحداث التغيير الاقتصادي والاجتماعي. هؤلاء الذين نشطوا في مجال التنمية خلال ثلاثين سنة مضت يعرفون تماماً قصة «ضخ الإبتكارات» التي أعلنت كوسيلة تعتمدها الدول المتخلّفة لتنفيذ التحاق سحري بركب العالم الصناعي، التحاق يكتمل ما إن تستخدم تلك الدول المتخلفة التكنولوجيا العصرية التي تؤمنها، بكياسة، الوكالات الدولية. نتجت تلك الوصفة من افتراض أن المعرفة هي ميزة الأمم الصناعية، وأن دول الجنوب لم تحصل على الكم الكافي منها. لا يمكن للأمر أن يكون بهذه السهولة إلا في أحلام هؤلاء الذين يعرفون القليل عن واقع العالم الثالث، لكنهم يثقون بأنهم يعرفون ما هو الأفضل لسكانه.

على الرغم من أنها فكرة مسلَّم بها، علينا أن نذكّر مشجعي تقنيات المعلومات والتواصل بأننا عندما نتعامل مع التكنولوجيا يكون تعاملنا حصرياً مع أدوات، فلا ينتج من استخدام الأدوات أي تأثير على المحيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. السكين هو سكين فحسب، أداة يمكن لها أن تؤذي إنساناً كما يمكن لها أن تحفر في الخشب منحوتة رائعة الجمال. المضمون والأنماط هي التي تصنع الفرق. عدد قليل من المنظمات، من بينها IDRC ، تعترف بذلك وتروّج لـ«رؤية اجتماعية» في استخدام تقنيات المعلومات والتواصل:

«من الواضح أن تقنيات المعلومات والتواصل ليست شرطاً كافياً أو أساسياً لإنجاح عملية التنمية. لكنه من الواضح أيضاً أن تقنيات المعلومات والتواصل، التي تسيّرها أساساً المصالح التجارية، وجدت لتبقى. لذلك، يضحى من الملحّ تقوية الرؤية الاجتماعية التي تضع الإنترنت في خدمة التنمية. تقوم الرؤية الاجتماعية المقترحة على أربعة أعمدة:1 ـ الانتقال إلى مرحلة ما بعد تأمين الترابط، 2 ـ الترويج لتمكين المحيط، 3 ـ تحجيم التهديدات والمخاطر، 4 ـ مضاعفة دائمة لحجم النتائج الإيجابية. في الرؤية الاجتماعية المقترحة، لا تتلازم تقنيات المعلومات والتواصل مع منطقي الضرورة والفائدة. يكمن التحدي في تحديد موعد مساهمة الإنترنت في التنمية وشروط مساهمة شبيهة» (8)

حتى بيل غايتس نفسه يعرف أن المسألة لا تكمن فحسب في إدخال أجهزة الكمبيوتر إلى البلدان النامية. في العام 2001، اعترف رئيس شركة «مايكروسوفت»، علناً، أن مركز الأولوية المطلقة يحتله تأمين الخدمات الصحية الأساسية والمناعة بدلاً من الكمبيوتر والإنترنت.

وعلى الرغم مما تقدّم، دعونا لا ننسى أن معظم تقنيات المعلومات والتواصل لم تعش، على مستوى القاعدة، تجارب يتعدى عمرها خمس سنوات. من المبكر جداً إعلان النصر، ومن المبكر جداً نبذها، لكن من غير المبكر مساءلتها والتأكد من أنها ستؤدي دوراً يخدم خير الجماعات، بعد أن يتضاءل حجم التأثير الخارجي.

يجب أن تتم دراسة أولويات التنمية ـ على أمل أن ينفذ المستفيدون منها المهمة ـ قبل أن تحدد نوعية التكنولوجيا المناسبة، كيفية استخدامها وأين. على الجماعات أن يطوّعوا التكنولوجيا لتلبي احتياجاتهم وتناسب ثقافتهم، وليس العكس. حتى اليوم، تبقى التكنولوجيا في العالم الثالث كتجارب تعد بالمزيد. فما يكتب في اقتراحات مشاريع النوايا الحسنة وفي تقارير النجاح التي ترفع للجهات الواهبة لا يمت بصلة إلى ما تشهده أرض الواقع، على مستوى المجتمعات المحلية.

الهوة (والحرب) الرقمية (السلطوية)

الهوة الرقمية: الـ«واحد» مفصولاً عن الأصفار.. شمال وجنوب؟ من هي الأصفار؟ هل نحن أصفار لجهة اليسار؟ أغنياء وفقراء؟ أين يكمن تحديداً الكسر في الهوة؟ هل هي فعلاً رقمية؟ ما مدى عمق الهوة؟ أي أرقام تحكم العالم؟ من يعتبر التخلص من الهوة الرقمية أولوية؟ من هو المستفيد الفعلي منها؟

يتفق الجميع تقريباً على أن ما يسمى «الهوة الرقمية» ليس أكثر من مشكلة زائفة، مجرد استعادة مثيرة لأرقام موجودة منذ عقود. صاغ بانوس شكل ذلك السؤال منذ العام 1995: «هل تمت إضافة الفقر المعلوماتي إلى الكثير سواه من الهوات التي تفصل البلدان النامية عن الشمال الغني؟ » (9).

ما زال الموضوع يحتاج إلى الكثير من التفكير. تفكير وبحث يرافقهما هدف هو: على الأبحاث، كآلية، أن تساهم في فهم المشاكل وتصحيحها زمنياً، وعليها أن تبقى على تواصل تام مع المشاركين في تطوير التجارب العصرية في مجال تقنيات المعلومات والتواصل. في الحروب الرقمية، تماماً كما في الحروب الحقيقية، تنفق الدول الصغيرة أكثر بكثير من قدرتها لتبتاع التكنولوجيا العصرية (أو الأسلحة) من الدول الصناعية التي يهمها أن تبقي الحروب مشتعلة إلى ما لا نهاية. فمنها تعود فائدة اقتصادية (عليها، طبعاً).

تحوي الشبكة العالمية أكثر من بليون صفحة إنترنت. 11 بليون رسالة إلكترونية يتم تبادلها يومياً. أرقام مثيرة للإعجاب، أليس كذلك؟ ومع ذلك، لم تجرِ نسبة تراوح بين 60% و80% من سكان العالم اتصالاً هاتفياً ولو لمرة في حياتها (10). هل هي مجرد صدفة أن يعيش 80% من سكان العالم في دول «نامية»؟
الهوة لم تكن يوماً «رقمية» أو تكنولوجية فحسب. هي هوّة اجتماعية، اقتصادية وسياسية. هنا نظرة سريعة باتجاه بطاقة معايدة تصلنا من الجنوب (11):

  • نحو 20% من سكان العالم يعتاشون من دخل يقل عن دولار أميركي واحد في اليوم.
  • مدن تحتل 2% من المساحة الأرضية، تحوي 50% من سكان العالم، تستهلك 75% من مواده الأولية وينتج منها 75% من مواده التالفة.
  • في العام 1996، نتج من كل مواطن أميركي غازات سامة توازي ما ينتج من 19 هندياً، أو 30 باكستانياً أو 269 نيبالياً.
  • يعيش نحو 2.4 بليوني إنسان من دون أساسيات الصحة العامة. يموت مليونا إنسان، معظمهم من الأطفال، سنوياً بسبب الإسهال. يموت مليون إنسان بسبب المالاريا.
  • 70% من 1.2 بليون إنسان يعيشون في الفقر هم من النساء، بمعدّل يفيد بأن المرأة تقبض أقل بنسبة 30 إلى 40% من الرجل عن عمل مقارن.
  • تنتج النساء نسبة تراوح بين 60% و80% من الطعام في معظم الدول النامية وتعتبر تلك النسبة في تزايد دائم. تتلقى النساء 5% فقط من الخدمات الزراعية التوسعية المقدمة على المستوى العالمي.

 

في إطار شبيه يكوّنه الظلم الاقتصادي والاجتماعي والجنسي والسياسي، يصبح ما يأتي غير مفاجئ:

  • الكثافة التواصلية بين مئة شخص في الصين هي 1.7، وفي الهند 0.8 ـ وذلك ضمن بلدين يتمتعان بمساحة ضخمة.
  • في ريف البلدان النامية، الكثافة التواصلية تبقى أدنى من 0.1%.
  • 6% فقط من سكان العالم يستخدمون الإنترنت
  • 90% من مجمل مستخدمي الإنترنت ينتمون إلى البلدان الصناعية.
  • لا يتعدى مستخدمو الإنترنت في أفريقيا والشرق الأوسط نسبة 1% من مجمل مستخدمي الإنترنت في العالم.
  • يفوق عدد مشتركي الإنترنت في بريطانيا وحدها مجمل عددهم في قارة أفرقيا.
  • يفوق عدد أجهزة الكمبيوتر الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية مجمل عددها في العالم.
  • يحوي جنوب آسيا، وفيه 23% من سكان العالم، نسبة تقل عن 1% من مستخدمي الإنترنت في العالم.
  • يتمتع أكثر من 40% من المنازل السكنية في الولايات المتحدة الأميركية باشتراك في الإنترنت
  • يستخدم 0.005% من سكان بنغلادش الإنترنت.
  • ما يوازي 52% من مستخدمي الإنترنت في العالم لا ينطقون باللغة الإنكليزية.
  • في معظم دول العالم الثالث، يحتاج المرء إلى سنة أو أكثر للحصول على خط هاتفي، وهو متوفر حصرياً في المدن.
  • يوازي ثمن استخدام ساعة للإنترنت في تشاد 10.50 دولارات أميركية (الناتج المحلي الإجمالي للفرد يوازي 187$).
  • المعدل الشهري لكلفة استخدام الإنترنت في أفريقيا هو 240 $. في الولايات المتحدة الأميركية، تبلغ الكلفة ذاتها 20 $.
  • يتكلف مواطن بنغلادشي متوسط الدخل ثمانية أضعاف دخله السنوي لامتلاك جهاز كمبيوتر ، بالمقارنة مع الأجرة الشهرية التي يتقاضاها مواطن أميركي متوسط الدخ

 

الاستقرار: فلنرسم الخط

كلمة «استقرار» (12) هي كلمة وسخة تسكن أفواه الجميع، في هذه الأيام، وتزعج الكثيرين. أنا واحد من أولئك الذين سئموا سماعها من أفواه البيروقراطيين الذين يطلبون دليل استقرار من الشباب أصحاب مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل. فجأة، بات «الاستقرار» موضوعاً أولاً بالنسبة إلى مئات المبادرات المستقلة، بينما تواصل الوكالات ذاتها دعمها مشاريع تنمية ضخمة ابتلعت الملايين خلال عشرات السنين من دون نتيجة تذكر: فيلة بيضاء تلد فئراناً عميان. إن فكّرنا بالأمر، نجد أن منظمات التنمية تلك التي تنتقد بشدة مشاريع المنظمات غير الحكومية الصغيرة ،لا تتمتع، بدورها، بالاستقرار: هي موجودة بسبب التدفق الدائم لأموال آتية من خارجها (أموال دافعي الضرائب، في معظم الأحيان) تدعم بيروقراطيتها وتؤمن لتلك البيروقراطية الاستقرار. بأي حق يطلب أي كان من مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل ضمانة استقرار بينما لم يتخطَ عمرها عامين أو ثلاثة ؟

أود أن أقترح مقاربة مختلفة تماماً لموضوع الاستقرار، مقاربة تذهب إلى أبعد من حصرية المعيار المالي. تم فرض مبدأ الاستقرار المالي علينا، مبدأ يستثني أشكال الاستقرار الأخرى، تفرضه القوى ذاتها التي تدفع باتجاه خصخصة قطاعي التربية والصحة، دعاة السياسات النيوليبيرالية الذين يؤمنون بأنه ليس من واجب الدولة تأمين أي خدمة اجتماعية مجاناً، وبأنه على أي نشاط إنساني أن يخضع لقوانين السوق.

بالنسبة إلى كثيرين، يعتبر «النجاح» المالي معياراً وحيداً في تقييم عمل المراكز التواصلية. ببساطة، إن أنتجت تلك الإذاعة دخلاً فذلك يعني أنها «مستقرة». لا يهم الاستقرار الاجتماعي ولا يهم دورها في التغيير الاجتماعي. كيف يمكن لنا أن نستخدم في تقييمنا عمل المشاريع الهادفة لتأمين التنمية الاجتماعية المعيار ذاته الذي نستخدمه في تقييمنا مقاهي الإنترنت؟ لا يمكن لي أن أُعجب بمشروع تواصلي داخل مجتمع على أساس ربحه المادي.

للاستقرار علاقة بمروحة واسعة من المواضيع. فلنراقب الملكية، مثلاً: الملكية العامة هي سبيل لتأمين استقرار مشروع تواصلي داخل مجتمع. مع ذلك، لتلك الملكية جوانب كثيرة. أن تمتلك مشروعية قانونية لتلك التسهيلات هو أحد تلك الجوانب. لكنه لا يكفي لضمان الاستقرار. أن تتمتع بإدارة مسؤولة، ومراقبة للمضمون، وحق التدخل في مستقبل المشروع هو أمر يوازي أهمية المشروعية القانونية. يستلزم ضمان استقرار مشروع ملكية عامة أن تتمتع الجماعة بحق الامتلاك القانوني، وأن تكون الجماعة قد تلقت التحضير اللازم لتحمّل مسؤولية المشروع لأنها دمجته بذاتها وبات جزءاً منها.

قد يستلزم تنفيذ ذلك آلية تحتاج إلى وقت أطول، كالزمن الذي تحتاج إليه عملية التنمية بحد ذاتها. فعلى تقنيات المعلومات والتواصل أن تتطور بموازاة آلية التنمية، وليس بمعزل عنها. التفاعل بين المشاركة الأهلية والمعطيات التقنية وسبل الحصول على المعلومات سيحدد نجاح أو فشل أي جهد يبذل في مجال التواصل التنموي. يفتقد كل من يطلب برهاناً سريعاً على الاستقرار الاقتصادي الفهم اللازم لتلك الآلية. نحن بحاجة إلى تحديد سرعة التقدّم الذي تحتاج إليه عملية التنمية بدلاً من فرض السرعة التي تقررها الأجندات المؤسساتية القابعة فوق مكاتب وكالات التمويل.

علينا ألا نناقض أنفسنا. إن كنا نسعى باتجاه تنمية وتغيير إجتماعيين لهما الأولوية بين وظائف تقنيات المعلومات والتواصل، يكون علينا إذاً أن نحجز لهما مكاناً تحت الخانة ذاتها المخصصة للمؤسسات الثقافية والتربوية.. المؤسسات المسؤولة من قبل المجتمع بأكمله، ومن قبل الحكومات / الدول فيه بشكل خاص. كالطرق التي تصل ما بين الأمكنة، على سبل التواصل أن تكون مسؤولية رسمية. تماماً كما تصون الدول مكتباتها العامة، عليها أن تصون تقنيات المعلومات والتواصل التي تنصرف لتأمين المعرفة اللازمة للتنمية والتعليم. لا يتجرأ حتى أشرس المتحمسين للخصخصة على مطالبة المكتبات العامة بأن تموّل نفسها بنفسها. تقنيات المعلومات والتواصل الاجتماعية هي مكتباتنا العامة العصرية، ولذلك من حقها أن تتلقى الدعم ذاته.

فلنعاين حفنة من الشروط غير القابلة للتفاوض في تنمية تقنيات المعلومات والتواصل:

1 - الملكية العامة

مشاكل

يضعنا إحصاء سريع للكثير من الخبرات في مجال عمل الإنترنت الذي تطور خلال السنوات الخمس الأخيرة، أمام أسماء من نوع: «مراكز تواصلية»، «حجرات عامّة»، أكواخ تواصلية» (13)، «خيم تواصلية»، «مراكز رقمية»، «أكشاك معلوماتية»، «مراكز معلوماتية»، «ساحات معلوماتية»، «متاجر معلوماتية»، «مراكز التواصل السمعي البصري» (14)، «مراكز قروية للمعرفة» (15).. تلك أسماء بين أخرى كثيرة غيرها (16). ويشير الإحصاء إلى أن معظمها حصل على لفت النظر اللازم باتجاه المشاركة الاجتماعية والملكية العامة. التنافس بين المنظمات المنتمية إلى القطاعين العام والخاص، على حد سواء، والهادف إلى «وصل» البلدان غير المتطورة بالشبكة أدى إلى «هبوط» آلاف الكمبيوترات في أراضٍ عاجزة عن الحصول حتى على الماء النظيف والكهرباء.

كشف إحصاء أجرته منظمة الفاو في العام 2001 حول التنمية بواسطة تقنيات المعلومات والتواصل، أن معظم المشاريع تم فرضه من دون استشارة الجماعة المعنية. من بين تلك الاكتشافات:

  • تم رصد حالات محدودة جداً من الإشراف الاجتماعي على تقنيات المعلومات والتواصل، وقدّمت رؤية مستقبلية مخيفة.
  • نادراً ما تسبق الإحصاءات عن الاحتياجات إنشاء المراكز التواصلية.
  • كثيراً ما يصرف الجهد والتركيز الأساسيين على تأمين خدمة الإنترنت بدلاً من صرفهما على ابتكار السبل لملاءمة تقنيات المعلومات والتواصل مع احتياجات الجماعات والمجموعات المحلية.
  • ًًٌتحدد أولويات الكثير من مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل تبعاً لمصالح المنظمات الخارجية بدلاً من تلك المحلية.
  • تعكس الأفكار الرئيسية التطبيقية في معظم الأحيان منظاراً اقتصادياً، على تماس مباشر مع السوق.
  • تم رصد نقص في المشاركة المحلية عند صياغة المضمون واختيار الأدوات المستخدمة في تقنيات المعلومات والتواصل.
  • يوجد الكثير من مراكز التواصل التي تتوفّر فيها أجهزة كمبيوتر ولا تؤمن اللازم في مجالات التوعية، المهارات في استخدام تقنيات المعلومات والتواصل، وقدرات القراءة والكتابة التي تمهد لآلية التملّك المحلي (17).

 

أطلقت بعض حكومات العالم الثالث «حملة جهادية» لتأسيس اتصال على المستوى الوطني بالإنترنت، كطريق مختصرة باتجاه الحداثة. من المؤسف الإشارة إلى أن الحكومات ذاتها لم تطلق أي «حملات جهادية» في السابق لتؤمن لمواطنيها المياه النظيفة أو الطرقات التي تصل الجماعات الفقيرة والمهمشة ذاتها بالمجتمع. إلا أن تقنيات المعلومات والتواصل تبقى «على الموضة» مما يمكّن الحكومات من الحصول على ريع مادي خارجي للمضي قدماً في الحملة الإلكترونية الصليبية، مستخدمة ذريعة تفيد بأن الاتصال بالإنترنت هو مفتاح التنمية.

سمعنا جميعاً بمشاريع تقنيات المعلومات والتواصل التي أخفقت بعد سنة أو سنتين من إطلاقها نتيجة سرقة أجهزة الكمبيوتر أو تلفها السريع بحيث بات من الملح استبدالها. ذلك أمر مرشح جداً للحدوث في جماعات أو مجتمعات محلية لا تتمتع بحس ملكية المشروع ولا تشعر بأهمية المنشآت في عملية النمو الاجتماعي والاقتصادي الخاص بها. الرقابة الخارجية ليست الحل في تلك الحالات (على الرغم من أنه بوسعها أن تشكل عوناً)، بل الوعي الجماعي والانتماء الشعبي للمشروع.

تحديات

أن تشعر الجماعات -أو المجتمعات المحلية- بأنها معنية في مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل التي تخدم المصلحة العامة ـ أو سواها من المشاريع ذات الطابع التنموي الاجتماعي والاقتصادي ـ هو الشرط الأساسي المسبق غير القابل للتفاوض لإطلاق تلك المشاريع.

في تلك المرحلة، تمكن الاستفادة كثيراً من تجربة الراديو. لا يمكن لنا أن نطالب بتغيير اجتماعي من دون مشاركة الجماعة المعنية به، وعلى ذلك المنطق أن يحكم النقاشات الأولى حول إمكانية تأمين الدعم على مستوى تقنيات المعلومات والتواصل في منطقة محددة. وبالطبع ليس كافياً فتح النقاش مع الحكومات أو السلطات المحلية. قد يبدو نقاشاً يشبه «طريقاً مختصرة» لتنفيذ الانطلاق المنشود، إلا أنه بوسع عارض «الطريق المختصر» هذا الملاصق لذهنية بعض المنشطين لتقنيات المعلومات والتواصل أن يعود بالضرر أكثر منه بالفائدة. فالعملية هنا ليست سباق المئة متر حيث تجسد السرعة عنصر النجاح الأول. العملية هنا أشبه بماراتون، ولن يكون بوسعك أن تنهيه إن صرفت طاقاتك كلها في اجتياز المئة متر الأولى. بحسب سيمون باتشيلور:

«بات ثابتاً، باعتراف الجميع، أن العمل من الخارج باتجاه الداخل هو الوصفة للبرامج غير المستقرة.. تلك البرامج التي تعتبر قدرات الانطلاق المحلية داخلية وتخطط لها خارجياً. على الرغم من ذلك يبدو أن العديد من برامج تقنيات المعلومات والتواصل تبدأ من قشرة البصلة الخارجية، وتستند إلى معلومة مسلّم بها حول الحاجة العامة للمعلومات والتواصل، ثم تشرك الوكالات الخارجية من خلال تأمين الموارد التي لا يستهان بها» (18).

أما بالنسبة إلى أي برنامج عمل تنموي آخر، فلا مفر من مناقشة أي مشروع تقنيات المعلومات والتواصل أو إذاعة محلية مع ممثلين عن الجماعات المحلية. وسيكون من المفيد كبداية أن يُسألوا ما إذا كانوا مهتمين بالمشروع أم لا. إذ إنه من الممكن أن يفضل العديد من الجماعات الريفية أو حتى المدنية الحصول على مياه نظيفة وكهرباء أولاً، بدلاً من أجهزة الكمبيوتر (19). وإن اعتبر ممثلو الجماعات الذين يختصرون مروحة واسعة من الشرائح الاجتماعية (الشباب، النساء، القادة التقليديون، مؤمّنو الخدمات، السلطات المحلية، إلخ) أنه من المهم تأمين تقنيات المعلومات والتواصل، فعلى النقاش حينها أن يدور حول كيفية إنشاء المشروع وتحديد دور الجماعات المحلية ومسؤولياتها، بشكل خاص.

يمكن للجماعات أن تقدّم الأرض وتتحمل مسؤولية تشييد المبنى الذي سيحتوي الكمبيوترات و/أو الإذاعة وصيانته. كما يمكن لها أن تؤمّن المتطوعين لإدارة المشروع. ولقد شهدنا أمثلة من هذا النوع في الماضي في مجال الإذاعة المحلية في المناطق الريفية والمدنية. وإذا قارنّا أبعاد الاستقرار من وجهة نظر لا تحد نفسها بحجم المدخول، سنجد أنه يمكن للالتزام الجماعي ولتطوير حس ملكية المشروع أن يشكلا، بدورهما، الضمانة الأمثل لسلامة المعدّات ولشروط إدارة المشروع على الأرض.

هناك فرصة للمساهمة في آلية تنظيم الجماعات من خلال مشروع تقنيات المعلومات والتواصل والإذاعة أو أي مشروع تواصلي يهدف، فعلياً، لإطلاق شرارة آلية التغيير الاجتماعي. يمكن تأمين المعرفة اللازمة للجنة محلية تمثل مختلف قطاعات المجتمع فتؤدي دور المراقب على نشاطات المركز السمعي البصري (20). يجب أن ُيصرف انتباه خاص هدفه تفادي التصادم بين المجلس المذكور وبين أي مجلس آخر في المجتمع يسعى لإدارة مشروع تنموي آخر.

كما يمكن للجنة المحلية أن تتحمل مسؤولية إدارة بعض الشؤون الخاصة بالمضمون، على غرار ما يجري في الإذاعات المحلية حيث تتولى ممرضة مسؤولية البرنامج الصحي، ويجهّز المدرّس سلسلة تتناول المواضيع التربوية، ويعتني قادة التعاون الريفي بإيجاد المعلومات التي يمكن لها أن تعود بالفائدة على المزارعين، ويتولى قادة الشباب البث الموسيقي والعناوين التي تهم أبناء جيلهم، إلى ما هنالك.

ينتقد سيمون باتشيلور، ولديه كامل الحق في ذلك، «التخطيط على مستوى البصلة»، ويحدد الفرق بين البرامج التنموية التي يخطط لها على مستوى الطبقات السطحية، وبين تلك التي تنطلق من المحور. تلك الوضعية الفوقية التي يلتزمها مخططو القشور السطحية الذين يثقون بأنهم أكثر العارفين باحتياجات الجماعة لن تقود سوى باتجاه عقود من الفشل في المجال التنموي.

ذلك لا يعني أن الجماعات دائماً على حق وكلمتها تلامس القدسية. في مجال التنمية، نتعلم، عادة، التمييز بين احتياجات المجتمع الحقيقية وبين احتياجاته «المحسوسة». مثلاً: يمكن للجماعة أن تعبّر، بسهولة، عن احتياجها إلى الماء وإلى الطرقات وأن تتجاهل أهمية التلقيح أو التعليم (ناهيك عن تقنيات المعلومات والتواصل!). الحل السحري يكمن في الحوار بين الجماعة والمنظمين.

نادراً ما يأتي طابع الجماعات متجانساً أو كامل الديمقراطية. تماماً كحال أي مجموعة من البشر أو أي مجتمع، تتقسم الجماعات إلى مجموعات تقودها المصالح الاقتصادية والاجتماعية. يكمن التحدي في دعم حوار يخضع لآلية مشاركة ديمقراطية.


  • المضمون المحلي

مشاكل

التالي القول بات مأثوراً: 90% من مضمون الشبكة العالمية يبقى غريباً عن 90% من سكان العالم. «تأمين المعرفة للفقراء» هو قول مهزوم طالماً لم يتم تعديل المقاربة. ويضحى ذلك التناقض مفضوحاً عند البحث في فائدة «الإنترنت» بالنسبة إلى الجماعات الريفية في العالم الثالث. يمكن للثانويين، للأساتذة أو للمهنيين في إسلام أباد أو ريو دي جانيرو أو داكار، أن يستفيدوا من استخدامهم الانترنت (خاصة إن كانوا يتقنون اللغة الإنكليزية). لكن، ماذا عن إمرأة تعمل في مصنع أو فلاح فقير يزرع أرضه؟ ما الذي تحويه الشبكة ويمكن له أن يهمهما؟ أين تكمن المعرفة التي يمكن لها أن تعود عليهما بالفائدة في مجال عملهما؟

لا يمت مضمون الإنترنت، في شكله الحالي، بأي صلة لمعظم مستخدميه الذين وجدوا أنفسهم منذ مدة قصيرة أمام جهاز كمبيوتر. يمكن لهم أن يتجولوا بين صفحاته، كطفل يلهو بلعبته الجديدة (21)، ويتعلموا كيفية استخدام الآلة، ويبقى من النادر بالنسبة إليهم إيجاد معرفة يمكن لها أن تعود بالفائدة عليهم في حياتهم اليومية.

يمكن لكل امرئ أن يستخدمه على النحو الذي يخدم احتياجاته: غياب الإدارة المركزية عن آلية عمل الإنترنت يؤدي إلى أوهام كثيرة، والمذكور أعلاه واحد من تلك الأوهام. فهي تخضع، بشكل صارم، لحكم القوانين الاقتصادية. تشبه الشبكة العالمية اليوم، وإلى حد كبير، مضمون الفضائيات التلفزيونية. خلال سنوات مضت، ظن البعض أنه بوسع القنوات الفضائية أن تؤمن لجمهور التلفزيون خياراً أفضل على مستوى نوعية البرامج وتعدد المصادر الإخبارية عالمياً. اليوم، بتنا على ثقة من أن الفضائيات تؤدي دوراً أساسياً في فرض وجهات النظر السائدة، صورة وحيدة منمطة عن الحياة كما يجب أن تكون، بالإضافة إلى الأفق المحدود في قراءة المجتمع والحياة الواقعية فيه. تبدو بقية العالم على شكل مجموعة من المغامرات الإكزوتيكية والوثائقيات العلمية. تتحكم بالإنترنت الشركات ذاتها التي تدير فيض المعلومات في البلدان الصناعية والمحيطة بها. وليتمكن المرء من بلوغ جنة ضيقة المساحة تتحلى بالتنوع والإختلاف على شبكة الإنترنت عليه أن يعبر متاهات الصفحات الغرائبية.

تشير عدة تقارير مصدرها المراكز التواصلية في بلدان أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية إلى أن معظم رواد تلك المراكز فيها هم من الطلاب أو الأساتذة، وليس فئات المجتمع الأكثر فقراً. كما تشير تلك التقارير إلى أن معظم روادها يؤمونها بحثاً عن خدمات الهاتف، الجرائد، النسخ، الفاكس، الكمبيوتر وليس لاستخدام الإنترنت أو شبكة المعلومات العالمية. في الواقع، لا يقدم معظم مراكز التواصل في أفريقيا خدمة الإنترنت. وهي، في حقيقة الأمر، مراكز للاتصال بواسطة الهاتف، قد تحوي جهاز كمبيوتر أو جهازين لتأمين خدمات الطباعة. وعندما تتوفر خدمة الإنترنت، يمكن للطلاب والأساتذة الريفيين أن يستخدموها في دردشة مكتوبة (تشات) أو لخط رسالة إلكترونية (إن توفر لهم طرف تُرسل إليه). أما معظم الشرائح الاجتماعية الأخرى، وهي تعدّ الأكثرية، فتلجأ إلى تلك المراكز بحثاً عن الخدمات الأخرى. في بنغلادش، أنشأ «مصرف غرامين» نظاماً فائق الانتشار لخدمة أجهزة الهاتف الخلوي تستفيد منه أكثر القرى عزلة، بدلاً من أن ينشر أجهزة الكمبيوتر فتصبح في متناول الجميع.

تحديات

تطوير المضمون المحلي هو الشرط الوحيد والأكثر أهمية وغير القابل للتفاوض لتنمية تقنيات المعلومات والتواصل إذا كان هدفها التغيير الاجتماعي والتقدّم الفعلي لدى الجماعات المدنية والريفية، على حد سواء.

لا يتماشى محيط المعرفة الذي تقترحه الشبكة العالمية واحتياجات أكثرية الشعب. تختلف الاحتياجات باختلاف البلدان، وحتى داخل البلد الواحد ـ بشكل خاص في دول العالم الثالث ـ يتطلب تعدد الثقافات مقاربات خاصة. علينا أن نخترع شبكات صغيرة ونضاعف عددها: مواقع تتناول الجغرافيا الضيقة للمكان أو «شبكات الجماعات المحلية»، لتصبح الشبكة العالمية عالمية بالفعل ومفيدة لأكثرية سكان الكوكب.

أكرر: بوسع تجربة إذاعة الجماعة أن تعلّمنا الكثير عن كيفية بناء صلة وثيقة بكل ما هو محلي. وحده تطوير المضمون المحلي قادر على إعلان الفرق الجذري بين مراكز التواصل ذات الخدمة الاجتماعية وبين مقاهي الإنترنت التي تقدّم الطعام لرواد يحفظون عن ظهر قلب كيفية إيجاد المعلومة التي يبحثون عنها. لا تضطر مقاهي الإنترنت إلى بذل مجهود إضافي في تطوير مضمون محدد، فروادها يجسدون الصورة المثالية عن مستخدم الإنترنت في العالم: ذكر، أقل من 35 عاماً، أنهى دراسته الجامعية أو يتمتع بدخل مرتفع، يعيش في المدينة ويتقن الإنكليزية ـ ينتمي إلى أقلية نخبوية (22) ـ وعلى قياسه، جرى تصميم الإنترنت.

تؤمن مقاهي الإنترنت خدمة الاتصال بالإنترنت فحسب بينما تنتج مراكز التواصل التنموية المعلومات المحلية وتضعها في خدمة الجماعة. «يمكن لمركز التواصل أن يصبح، أيضاً، يداً مساعدة للمدرسة وللعيادة من خلال تأمينه التثقيف المتواصل للأساتذة والممرضات (والأطباء، إن وجدوا) » (23).

لتسلية روادها ـ وعلى غرار ما يجري في الإذاعات المحلية ـ قامت عدة مشاريع محلية في مجال تقنيات المعلومات والتواصل بإنتاج مضمون محلي يتناسب وأهواء محددة لدى الفلاحين، أو الصيادين أو سواهم من الجماعات التي نادراً ما تؤخذ بالاعتبار من قبل مقاهي الإنترنت التجارية وكل ما يسير على خطاها. أمثلة معبّرة عن هذا الموضوع يمكن إيجادها في تجربة مراكز المعرفة القروية في تشيناي ـ الهند (24).

«يحتاج الفقير إلى وسيلة تربطه بالمعلومة ذات الطابع المحلي أكثر من أخرى تربطه بمعلومة متوفرة عن إطار غريب عنه. بوسع أنظمة غير محددة شكلياً، «عضوية»، أن تؤمن للفقير المعلومات التي يحتاج إليها بفاعلية تعجز عن تأمينها أنظمة محددة شكلياً، هي أنظمة تقنيات المعلومات والتواصل. تنقص الفقير معلومات تمت بصلة لواقعه المعاش ويحتاج إليها. قد يمكن تأمين ذلك من خلال التفاعل ما بين الجماعات وبين الأفراد المكوّنة لتلك الجماعات أكثر مما يمكن تأمينه من الانتقال المثالي للمعلومات من الشمال إلى الجنوب بواسطة نماذج تقنيات المعلومات والتواصل» (25).

ليس من الصعب استباق شكل التعايش ما بين الإذاعة المحلية والإنترنت. تزعمت حفنة من الإذاعات المحلية حركة الاستفادة مما يقدمه التعاون مع التكنولوجيا. إذاعة كوثمالي المحلية، في سريلانكا، هي واحدة من تلك الإذاعات التي تستخدم الإنترنت لتؤمن الإجابات المعرفية عن أسئلة جمهورها. تتلقى الإذاعة أسئلة السكان، يجري الناشطون فيها بحثاً على الإنترنت، يخزنون المعلومات التي تمت بصلة للجماعات المحلية، وتبث المعلومات بعد أن تتم ترجمتها للغات المحكية المحلية.


  • التكنولوجيا الملائمة

مشاكل

عندما نأخذ بالاعتبار نسبة تشير إلى أن مواطناً من بين كل ثلاثة في العالم يفتقر إلى الكهرباء، وأن المياه النظيفة هي موضوع مخيف بالنسبة لمساحات واسعة من العالم، نتذكر أن أجهزة الكمبيوتر لا تزال مصنفة في خانة الكماليات.

الموضة دائماً مكلفة، إن كانت فيرساتشي أو مايكروسوفت. وموضة «زرع» أجهزة الكمبيوتر في مختلف أنحاء الأرض هي موضة مرتفعة الكلفة (وتؤمن لأقلية صغيرة ثروة كبيرة). ما هي نسبة التكنولوجيا أو ما هي درجة تفذلك التكنولوجي الذي نحتاج إليه في مركز تواصل ريفي مجاني؟ في أميركا الوسطى، شاهدت بأم العين مدارس ريفية ذات استيعاب يقل عن المئة طالب وقد تم تجهيزها بخمسة أو ستة أجهزة كومبيوتر ذات إمكانية فنية، فبات يستهلك ما لا يزيد عن 5% من طاقتها (وبذلك أكون كريماً في تقديري). لطالما تساءلت حول المعيار المتبع لتحديد نوعية نظام التشغيل الذي يجب ابتياعه، إن كان هناك من معيار يتّبع في الأصل.

وقد عرف كل من التفلزيون والإذاعة ـ على أمل أن يكونا قد استفادا من معرفتهما تلك ـ حجم التشوّهات التي تقع بسبب مخططين طبقوا، بشكل ميكانيكي، ما أملته عليهم خبرتهم في أوروبا أو أميركا الشمالية على أفريقيا أو آسيا. بالنسبة إليّ، أرى في مشهد شاحنات البث الخارجي مهجورة في فناء المباني الإذاعية والتلفزيونية في بوركينا فاسو وغيرها من دول أفريقيا في الثمانينيات والتسعينيات، إطاراتها مثقوبة وتكاد تبتلعها النباتات المحيطة بها، مشهد قادر على اختزال الخسارة والتشويه اللذين منيت بهما مشاريع دعم التنمية التواصلية. حافظ القليل منها على إمكانية تشغيل كمحطات بث ثابتة وليس خارجية متنقلة. الهدف الكامن خلف القدرة على التنقل بات مهزوماً. هل عبرت تلك الشاحنات يوماً الطرقات غير المعبّدة الريفية؟ لا بد من وجود نوع من أنواع جنون العظمة كامن في عقول هؤلاء السياسيين والمستشارين الذين يفرضون التكنولوجيا التي لا تلائم بلداناً عاجزة عن تشغيلها والحفاظ عليها.

تخدم معدات الكمبيوتر لمدة زمنية محدودة، على عكس المعدات الإذاعية التي يمكن لها أن تخدم مدة 10 سنوات أو 15 سنة. يجب استبدال جهاز الكمبيوتر بعد مرور أقل من خمسة أعوام على تشغيله. لكن، قبل أن يحين موعد استبداله بفترة زمنية طويلة نسبياً، يجب تجديد الأنظمة التشغيلية فيه. وذلك ليس لعدم صلاحيتها، وإنما لسبب بسيط مرده ضغط السوق: فلقد تم تنظيم السوق على أساس يفيد بأن تحميل الأنظمة الجديدة التي لا تتضمن أكثر من تعديلات تشغيلية طفيفة على النسخة الأقدم تتطلب تبديلاً لأنظمته الأساسية، مهما يستوجب استبدالاً لجهاز الكمبيوتر بأكمله من دون أن تستدعي الحاجة المباشرة ذلك. فتصبح أجهزة الكمبيوتر القديمة أجهزة مهملة، من سنة إصدارها إلى السنة التي تليها، وذلك، ببساطة، نتيجة كونها عاجزة عن استيعاب النظام التشغيلي الجديد أو عاجزة عن التواصل مع أجهزة أكثر عصرية تعتمد النظام التشغيلي الجديد. ما هي حدود العصرية المطلوبة من أجهزة الكمبيوتر المتمركزة في مراكز اتصال حديثة الإنشاء في مناطق ريفية ضئيلة الخبرة في مجال تقنيات المعلومات والتواصل؟ ما هي النسبة المئوية من طاقة الجهاز التي سيجري فعلاً استهلاكها خلال سنتين أو ثلاث هي مدة صلاحية المعدات؟ هل يمكن إصلاح الأجهزة محلياً؟ هل قطع الغيار مؤمنة؟ أين يمكن للمرء أن يبتاع جهاز كمبيوتر صمم ليعيش بدلاً من جهاز صمم ليستبدل؟

لسوء الحظ، لا تعتمد سياسات الدعم التنموي حساً نقدياً أو معايير عقلانية. ما إن يتم تقديم الدعم المالي لمشروع حتى يضحى من الواجب إنفاقه، حتى ولو كان ذلك يعني ابتياع معدات غير ملائمة. بحضور لاعبين أساسيين في عالم التنمية من نوع «أوبن سوساييتي إنستيتيوت» (سوروس)، البنك الدولي أو «يو أس أيد» (USAID) يتنافسون في ما بينهم على الأراضي والسلطات، يصبح من الصعب التفاؤل في المدى المنظور، إلا بعد تدخل لاعبين دوليين من نوع أخر بوسعهم التأثير إيجابياً في الخط السائد.. لاعبين مثل IDRC ، APC أو «عالم واحد»، وهي منظمات اشتهرت لنوعية عملها وليس لحجم دعمها المالي.

«اليوم، تمتلك القوى التجارية سلطة مطلقة على الإنترنت، ويعتبر قطاع الإنترنت في الدول النامية قطاعاً تنافسياً بامتياز، مربحاً وقابلاً للازدهار بدعم أموال من الهبات أو من دون الحاجة إلى دعمها. وحده الطلب على الإنترنت، حتى في أكثر الدول فقراً، يقوى على جعلها مغامرة قابلة للحياة ومربحة جداً. وبما أن السوق وحده قادر على تأمين النمو السريع لقطاع الإنترنت، يتبقى للممولين وللمنظمات غير الحكومية مهمة التركيز على تأمين الاتصال والمنافع لمن هم بحاجة إليها» (26).

تحديات
ثالث الشروط غير القابلة للتفاوض في إطار سعي تقنيات المعلومات والتواصل للتغيير الاجتماعي هو استخدام الأدوات المناسبة. يجب اعتماد التكنولوجيا التي تتلاءم واحتياجات المجتمع وليس على المستوى التقني فحسب، بل أيضاً على مستوى الاستخدام، والتعلّم والتبني.

تعتبر الأدوات مناسبة عندما تطور الجماعات حس ملكية تجاهها من خلال آلية «استيلاء» متواصلة على المشروع. لا يجب أن يفهم ذلك الإستيلاء على أنه مجرد إعتماد للتكنولوجيا أو تطوير للمهارات في التعامل مع برامج الكمبيوتر. اكتساب المهارات هو خطوة مهمة، لكنه ليس الخطوة النهائية. يتشارك الأهمية ومواضيع أخرى: الإدارة، إنتاج المضمون المحلي، ومناهج البحث، التدريب والنشاطات البعيدة المدى، وذلك غيض من فيض.

لماذا تستقل الرولز رويس لتصل بك إلى الدكان المجاور فتبتاع خبزاً بينما يمكنك أن تستقل دراجة هوائية وتحصل على النتيجة ذاتها بكلفة أقل؟ يبدو أن المروّجين لتقنيات المعلومات والتواصل ما زالوا عاجزين عن فهم تلك النظرية على الرغم من أنها حاضرة في عالم التنمية منذ الخمسينيات. ولد تعبير «التكنولوجيا الملائمة» بعد عقود من الخيبات على مستوى المنشآت التنموية الضخمة التي أصبحت كالفيلة البيضاء ـ منشآت خاوية وعقيمة لم تنشط يوماً لخدمة الصالح الاجتماعي. بات لدينا تخمة في الكتابات الأدبية التي تتناول فرص التنمية الضائعة، ومعظمها تدور حول التخطيط المسقط من فوق والاستثمارات الضخمة.

تماماً كما كانت إذاعة محلية لتفعل، يجب الانطلاق من تأسيس مراكز تواصلية أو سمعية بصرية تعتمد على الأنظمة الأساسية في تشغيل الجهاز، ومن ثم تتم مراقبة التفاعل معها في بحر سنتين أو ثلاث لاتخاذ قرار حول ما إذا كان من الواجب تحديثها بشكل جزئي أو كلي. وتكمن إحدى حسنات التكنولوجيا الجديدة في كونها قادرة على أن تؤمن لك مروحة أوسع من الخيارات. للأسف، لا تعاين تلك الخيارات إلا قلة من المخططين أو المستشارين من الخارج. معظمهم يتجه نحو مايكروسوفت وأجهزة «إنتل» باهظة الثمن ولا يلقون ولو حتى نظرة باتجاه «سمبيوتر»، مثلاً، وهو جهاز كمبيوتر تم صنعه في الهند ويبلغ ثمنه 200$، أو «لينوكس»، وهو نظام تشغيل مجاني قادر على أن يمكّن أجهزة الكمبيوتر كلها من استقبال الإنترنت.

وعلى الرغم من ذلك، قد تضحى احتياجات الإذاعات المحلية المرتبطة بشبكة الإنترنت أكثر تعقيداً. يصبح من الضروري تأمين سرعة أكبر واتصال أفضل بالإنترنت ومجال أوسع لحفظ المعلومات في الذاكرة الرقمية. بات اليوم من الأفضل مَنتجة البرامج الإذاعية وحفظها رقمياً. يؤمن الكمبيوتر مساعدة خارقة في تحديد شبكة البرامج وفي الحد من التعامل اليدوي مع الأشرطة والأسطوانات المدمجة. وبالفعل، فلقد قامت نسبة كبيرة من إذاعات العالم الثالث المحلية الصغيرة بإضافة الكمبيوتر إلى معداتها، فحسّنت نوعية العمل التقنية. وتمتلك إذاعات أخرى مواقع خاصة ببثها على الإنترنت تحوي معلومات حول البرمجة، حتى إنها تؤمن إمكانية مراجعة أرشيفها أو الاستماع إلى البرامج مباشرة على الهواء عبر الشبكة.

وعلى الرغم من ذلك، قد تضحى احتياجات الإذاعات المحلية المرتبطة بشبكة الإنترنت أكثر تعقيداً. يصبح من الضروري تأمين سرعة أكبر واتصال أفضل بالإنترنت ومجال أوسع لحفظ المعلومات في الذاكرة الرقمية. بات اليوم من الأفضل مَنتجة البرامج الإذاعية وحفظها رقمياً. يؤمن الكمبيوتر مساعدة خارقة في تحديد شبكة البرامج وفي الحد من التعامل اليدوي مع الأشرطة والأسطوانات المدمجة. وبالفعل، فلقد قامت نسبة كبيرة من إذاعات العالم الثالث المحلية الصغيرة بإضافة الكمبيوتر إلى معداتها، فحسّنت نوعية العمل التقنية. وتمتلك إذاعات أخرى مواقع خاصة ببثها على الإنترنت تحوي معلومات حول البرمجة، حتى إنها تؤمن إمكانية مراجعة أرشيفها أو الاستماع إلى البرامج مباشرة على الهواء عبر الشبكة.

«يتمحور تدريب فريق عمل مراكز الاتصال، في معظمه، حول تشغيل الأنظمة الحيوية في الكمبيوتر وفي شبكات الاتصال. إلا أنه بوسع التدريب أن يساعد فريق مركز الاتصال على مخاطبة المجتمع وبناء سوق طلب استراتيجي فيؤمّن الاكتفاء الذاتي وهو مفتاح الاستقرار. مهارات كتقنيات دراسة الاحتياجات، والتسويق، ومناهج لتدريب المستخدمين الممكنين، إنتاج أنظمة تشغيل، والممارسة كقيمة مضافة على ما تقدّم هي تحديداً النوع المطلوب من التدريب على الاتصال بالشبكة» (27).

  1. اللغة والثقافة الملائمة

مشاكل

قبل خمس سنوات، لا أكثر، كانت نسبة 90% من الصفحات المتوفرة عبر مواقع الإنترنت تعتمد اللغة الإنكليزية. اليوم، وبحسب عدد من الدراسات، تقلصت تلك النسبة لتصبح 50%. من بين ستة بلايين نسمة تسكن الأرض، ينطق نحو 341 مليون منهم بالإنكليزية، كلغة أم (28). الإسبانية هي لغة أولى بالنسبة إلى 358 مليون إنسان، وعلى الرغم من ذلك لا تتعدى نسبة حضورها في الإنترنت 5.62 بالمئة. وعلى الرغم من أن الإنكليزية، كما يبدو جلياً، ليست أكثر اللغات حضوراً في العالم، تبقى الأكثر حضوراً بين 500 مليون مستخدم للإنترنت، حتى إن مواقع كثيرة في العديد من البلدان الأوروبية والعالمثالثية غير الناطقة باللغة الإنكليزية تأتي بالإنكليزية.

ومع ذلك، يتطور الوضع بشكل سريع. ينتشر الإنترنت في أميركا اللاتينية بسرعة تفوق تلك التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وشهدت الصفحات الناطقة بالإسبانية سرعة في التكاثر خلال السنوات الخمس الماضية. قد تعتبر تلك المعلومات إشارة إيجابية بالنسبة إلى اللغات العصرية الأساسية، لكن ماذا عن بقية اللغات؟ أين تحضر على الشبكة اللغات المتبقية التي يزيد عددها عن ستة آلاف لغة توجد في العالم وكم منها سيختفي عن وجه البسيطة قبل أن يكون لها حضور في العالم الافتراضي؟

يجسد الإنترنت، كما هو اليوم، نوعاً جديداً من أنواع التمييز العنصري، ومن الواجب تغيير ذلك (30). عندما استخدمت تعبير «التمييز العنصري» للمرة الأولى في العام 1998 في مجال حديثي عن الإنترنت وضمن حلقة نقاش حول الرسائل الإلكترونية، تلقيت ردود فعل مثيرة للاهتمام. جزم أحد المشاركين حينها بأنه على كل من يريد أن يكون جزءاً من تلك الثورة التكنولوجية أن يتعلم اللغة الإنكليزية كونها «السائل» ـ الدماء التي بوسعها وحدها أن تحيي الإنترنت. وأتى جزمه هذا في معرض الرد على تصريحي الذي يفيد بأن «لغة الإنترنت الرسمية باتت لون البشرة الجديد في تحديد التفوق الثقافي، الهيمنة الثقافية في أقصى حدودها». لا تنفك الأمور تتحسن منذ ذلك الحين، لكنها لم تصل حداً يجعل من الشبكة العالمية مساحة حوار بين الثقافات. لا تزال نادياً شديد الانغلاق على نفسه وعضويته مشروطة.

اللغة ليست أكثر من قمة جبل الثلج، القمة الواضحة للعيان. الثقافة هي كل الكامن تحتها. ذلك التنوع الثقافي الغني الحاضر في عالمنا لا يتمتع بأي حضور على شبكة الإنترنت. أضف إلى ذلك أن الانتشار الذي يعرفه الإنترنت في شكله الحالي قادر على المساهمة في إبادة الثقافات غير الممثلة فيه. فيشير تقرير صادر عن IRDC إلى ما يأتي:

«يمكن للمضمون واللغة والطبقة الاجتماعية والثقافة التي تحكم الإنترنت أن تؤثر بشكل سلبي من خلال تصديرها لنمط تفكير موحد، أهواء موحدة ورؤية واحدة للعالم. كما يمكن لوهم الديمقراطية المتصاعدة والتعددية الناتجة من التواصل عبر الإنترنت، أن يكون تضليلياً إن كان في الواقع يسعى لترسيخ العلاقات الموجودة أصلاً على مستوى مركزية السلطة والتحكم في المجتمع» (31).

من الصعب تحديد درجة التنوع الثقافي الحاضر في الإنترنت، وتعتبر بعض المحاولات لتحديده مضللة وشديدة البعد عن الموضوعية. فلا يمكن اعتبار الحضور الطاغي لنجوم غناء وترفيه لاتينيين بين صفحات الإنترنت دليلاً على التنوع الثقافي فيها. إلى أي مدى يمكن لريكي مارتن أو أنطونيو بانديراس أو سانتانا، وهم نجوم عرفوا شهرتهم في الولايات المتحدة الأميركية، أن يساهموا في التنوع الثقافي؟

يتلقى العالم الثالث، بدوره، ثقافة ناتجة من استخدامه الإنترنت. حالياً، تحافظ «ثقافة المستخدم» على شكل موحد تم تعميمه – أو عولمته من خلال النظام المسيطر. تبقى الأسئلة الآتية، وقد تمت صياغتها على قياس أميركا اللاتينية لكن يمكن استنباطها من أي إطار جغرافي آخر، من دون أجوبة:

«بعيداً من المضمون المحلي، هل هناك أي طابع لاتيني حاضر في الإنترنت على شكله الحالي؟ هل من تصميمات، أشكال أو مواقع ذات صلة ملائمة للخصوصية اللاتينية؟ هل من خصوصية لاتينية في وسائل الإبحار عبر الصفحات؟ هل من طابع يميّز نوعية المستخدمين، أعمارهم، أو جنسهم، أو اهتماماتهم عن بقية المستخدمين في العالم؟ باختصار، هل هناك أي إشارة إلى أسلوب خاص في استخدام الإنترنت يميز شعوب أميركا اللاتينية عن بقية شعوب العالم؟ » (32).

في الواقع، وحسبما يقترح جيوفاني سارتوري، «على الرغم من إمكانياته الضخمة في فتح باب المعرفة والتعمق في الفهم، تتحول الإنترنت ليصبح مساحة ضيقة يلتقي فيها القليل من البشر ليتحدثوا حول الهوايات والاهتمامات المشتركة في ما بينهم. باختصار، وبالنسبة لنسبة قليلة من البشر، الإنترنت هو وسيلة رائعة لتضييع الوقت» (33).

غة الإنترنت ليست لغتنا. خذ، مثلاً، كلمة « free » (حُر) الإنكليزية التي تم إفسادها وإعادة بثها عبر مواقع الإنترنت على شكل: طعام خال من الدسم، تحصل على هدايا مجانية إن تضغط هنا، اشتراك مجاني... وكأن الكلمة هي، أصلاً، من اختراع التجار. من الأفضل استخدام الكلمة في معرض الحديث عن «الحرية»: حرية الاستفادة من إمكانيات الإنترنت لتأمين التغيير الاجتماعي والتنمية، حرية اختيار المضمون واستخداماته..

إن كانت الثقافة جزءاً من روح التنمية والتغيير الاجتماعي، كم من الجمال الإضافي يمكن التمتع به عند رؤية «الفن الثامن» يولد من رحم الإنترنت، عالم جديد ومبتكر وقابل للتأقلم مع الثقافات المختلفة، يكرر تجربة الفنون السبعة التي سبقته ويساعد، فعلياً، على ترقية القيم الإنسانية.

تحديات

ثالث الشروط غير القابلة للتفاوض في إطار سعي تقنيات المعلومات والتواصل للتغيير الاجتماعي يكون، بناء على ما تقدم، اللغة والثقافة الملائمة.

في ظل غياب الثقافات المحلية، بما في ذلك اللغات المحلية، لن يكون بوسع تقنيات المعلومات والتواصل المساهمة في تقدّم المجتمعات. اللغة والهوية الثقافية هما الجوهر الذي يؤمن نجاح أي تدخل تمارسه تقنيات المعلومات والتواصل.

علّمنا التاريخ أن صحة الثقافات تنتج من الاختلاط في ما بينها من التطور على إيقاع الحوار والتفاعل. ما من ثقافة جليلة حافظت على «نقائها» وبُعدها عن الشوائب الوافدة. نتج من التفاعل بين الثقافات بعض أهم علامات التطور البشري. ومع ذلك، تمكّن العصر الإلكتروني من الإخلال بتوازن شروط «التبادل الثقافي»، تمكن من جعلها غير متكافئة الفرص، ظالمة، تماماً كشروط التبادل التجاري. جهة واحدة تملي شروط اللعبة. وبات من السهل على أمواج السوق العالية أن تبتلع الثقافات التي تعاني، أصلاً، من الضعف والتفرقة. مخيفة تلك الصورة التي تتربص بالعالم ويحضر فيها الجميع يتناولون الهامبرغر ذاته، مخيفة ومصممة على البقاء.

مهمة توسيع المساحة الخاصة بالتفاعل الثقافي في العالم الافتراضي ليست سهلة. فحتى ولو قامت مواقع عدة بمضاعفة الصفحات التي تمثل تنوع العالم الثقافي، سيكون علينا أن نجعل تلك الصفحات «مرئية». فالشبكة أشبه بالمحيط منها بالمكتبة. يتطلب «اصطياد» المعلومة المناسبة الكثير، إذ أن معظم وسائل البحث على الشبكة تأتينا بالصفحات التي شهدت أكبر عدد زوار وليس تلك التي تحوي المعلومات المناسبة لموضوع البحث. ومعظم تلك الصفحات التي تحضر سريعاً عند ممارسة أي بحث هي صفحات تجارية دفعت المال للمواقع التي تقود البحث في مقابل أن تضعها في موقع متقدم ضمن نتائج البحث. ليس من السهل إيجاد موقع يعتمد لغة «هامشية» حتى من قبل الناطقين بتلك اللغة، وتصبح الصعوبة أكبر إن كان موضوعه الثقافي لا يمت بصلة للثقافة المسيطرة، عالمياً.

لن يشهد هذا الوضع تحسناً إلا من خلال زيادة إنتاج المضمون المحلي. نحن بحاجة إلى مئات آلاف الصفحات الجديدة القادرة على تجسيد التنوع الثقافي واللغوي، ماضياً وحاضراً. أدت الإذاعة المحلية هذا الدور لعقود خلت، ولذلك على تقنيات المعلومات والتواصل الحديثة أن تستند إلى تجربتها. يؤمن اللقاء بين الراديو والإنترنت أمثلة مفيدة حول كيفية خلق مضمون محلي، مضمون يمت بصلة للاحتياجات المحلية وللثقافة المحلية على حد سواء، وبلغات محلية. تقدّم مراكز المعرفة القروية في الهند، إذاعة «كوثمالى» المحلية في سريلنكا و«بولسار» في أميركا اللاتينية، حفنة من التجارب يمكن التعلم منها.


  1. التقاطع والتشبيك

مشاكل

من حيث لا تدري، يتم إسقاط مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل في أمكنة لم تشهد تاريخاً من المشاركة المحلية على مستوى مبادرات التنمية، أمكنة لم تعرف تقاطعاً مع برامج أخرى ذات هدف تنموي واجتماعي أو مع منظمات محلية ذات وجود مسبق أو مع ميديا ذات جذور محلية.. أمكنة لم تشهد تشبيكاً ما بين مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل التي تخدم أغراضاً متشابهة. أليس تأمين حلفاء على مستوى المؤسسات المحلية أمراً أكثر منطقية من ذلك؟ تحالفات مع الميديا المحلية، مع المكتبات العامة والمدارس، مع مشاريع تنشط حالياً ضمن المجتمع على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟

تمت مساءلة ذلك التأسيس العمودي لأكشاك تحوي تقنيات المعلومات والتواصل، تأسيساً عمودياً ينأى بنفسه عن المبادرات السابقة.. كثيراً ما تمت مساءلته لكنه حاصل دائماً. «من الأكثر إفادة استخدام تقنيات المعلومات والتواصل لتعزيز الممارسات الموجودة مسبقاً بدلاً من استخدامها للترويج لنشاطات جديدة غرضها الحصري هو استخدام تلك التقنيات. على ضوء ما تقدم، لا يساهم في التنمية أي تأسيس لمراكز تواصلية منفصلة عن منظمات محيطها الاجتماعي ومبادراته» (34).

قد يكون عزل العديد من مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل عن مشاريع أخرى تهدف إلى خدمة الغرض ذاته أحد أسباب كل هذا الفشل. نحن بحاجة إلى هدم المنطق الغربي الذي يملي علاقات معزولة ومغلقة تنمو بين الكمبيوتر ومستخدمه، ومن بعدها علينا أن نتطور باتجاه الاستخدام الجماعي لتقنيات المعلومات والتواصل. كثيراً ما تقوم مشاريع المراكز التواصلية باستعادة طابع الفردية هذا. يمكن لغرفة واحدة أن تحوي الكثير من البشر والكمبيوترات من دون أن يكون لذلك أي طابع تغييري. انطلاقاً من منطق الاستقرار، بات من الملح علينا أن نفكر بعدد أكبر من شبكات المستخدمين ضمن جماعة أكثر تعداداً وتتمتع بالاهتمامات المشتركة.

أثار العديد من الكتّاب والمنظمات موضوع المغامرة التي تكمن في بناء شبكات تفصل البشر عن بعضهم بعضاً. وقد أثيرت في المعرض ذاته أيضاً المخاطر التي تكمن في تأسيس نماذج تواصلية على قياس تكنولوجي حصري يستثني القيم. «هل يمكن للشبكة المستقبلية أن تصبح شبكة واسعة مجزأة تضم أفراداً معزولين ـ كالنحل، كلٌ في خليته ـ يتفاعلون مع مجموعة من المعطيات بدلاً من التفاعل مع بعضهم بعضاً؟ »، سؤال يطرحه المجلس الباباوي للتواصل الاجتماعي (35). «علينا أن نتأكد من أن الجماعة الافتراضية موضوعة في خدمة الجماعات الحقيقية، وليست بديلاً منهم»، يضيف د. جورج كاري، رئيس أساقفة الطائفة الإنجيلية في كانتربيري.

تحديات

التقاطع والتشبيك ليسا من الشروط غير القابلة للتفاوض في معرض ضمان الاستقرار على المدى البعيد. تتمتع مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل التي تتقاطع ومشاريع تواصلية أخرى كالإذاعة المحلية بفرص نجاح أكبر، كونها ترث مروحة واسعة من الخبرات المتراكمة وتاريخاً كاملاً من التنمية والمشاركة.

وعلى النحو ذاته، وللأسباب المذكورة أعلاه ذاتها، تتمتع المبادرات على مستوى تقنيات المعلومات والتواصل التي تتكامل ومشاريع التنمية الموجودة أصلاً بفرص قبول أكبر من قبل الجماعة، كما يمكن لها أن تعزز من قوة النشاطات المتواصلة الهادفة لتأمين التغيير الاجتماعي.

يعيدنا ما تقدّم إلى أمثلة هامة وعديدة عن تقاطع حصل ما بين تقنيات المعلومات والتواصل وبين مؤسسات أو وسائل اتصال محلية. في البيرو، تدعم ITDG مشاريع الخدمة المعلوماتية التي تتقاطع والمكتبات العامة الريفية (36). استخدمت «بولسار» في أميركا اللاتينية الإنترنت لتغذي بالأخبار مئات الإذاعات المحلية. ولقد سبق لنا أن ذكرنا إذاعة «كوثمالى» المحلية في سريلنكا والشبكة الأندونيسية التي تربط عشرين إذاعة محلية في ما بينها بواسطة البريد الإلكتروني.

يعتبر التقاطع ما بين الإذاعة والإنترنت أكثر العناصر قدرة على إثارة التفاؤل. وعلى الرغم من ذلك، سيكون على تقارب شبيه أن يواجه تحديات عديدة ومختلفة في العالم الثالث وفي البلدان الصناعية. وبحسب رؤية بروس جيرار:

«من الواضح أن التقارب سيترك أثراً على وسائل البث في البلدان النامية يختلف عن الأثر الذي سيتركه في أوروبا وشمال أميركا. بات بالنسبة إلى بلدان العالم المتحضر متوقعاً أن تحل وسائل الإعلام (الميديا) الجديدة والإنترنت قريباً محل خدمات البث وأنظمة التوزيع، أما في البلدان النامية فلن يحصل ذلك ضمن منظار المستقبل القريب. سيحافظ الراديو على موقعه كأهم وسيط بالنسبة إلى معظم سكان الأرض، وسيحافظ التلفزيون على موقعه المرموق خلال سنوات القرن الحادي والعشرين الأولى» (37).

تعتبر المدارس بنى أخرى تتمتع بأهمية استيعابها للتنمية عبر تقنيات المعلومات والتواصل، ليس فقط لتواجدها في أكثر الأماكن المعدمة في الريف العالمي، وإنما أيضاً بسبب قابليتها لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة على مستوى المهارات والأساتذة والطلاب. لكن، يبقى من المهم تأمين التفاعل مع المجتمع ككل لتفادي خلق كيان مقفل على مجموعة ضيقة ومحظية.

ن كنا نهدف إلى تدعيم التنمية كوسيلة للتغير الاجتماعي، علينا أن ننتبه إلى الطاقات الهائلة التي يمكن أن تنتج من التقاطع بين تقنيات المعلومات والتواصل وبين المنظمات غير الحكومية التنموية. كثيرون لاحظوا تلك الطاقات وباتوا ينشطون لتطوير الخبرات القيمة حولها. نحن لا نعني هنا أن تقوم المنظمات غير الحكومية بتزويد مراكزها بأجهزة الكمبيوتر ووصلها بالشبكة، فلن تنتج عن ذلك الطاقات المرجوة. فالتحدي الحقيقي يكمن في استخدام تلك المنظمات لتقنيات المعلومات والتواصل كأداة أخرى تنضم إلى أدوات العمل التنموي، تماماً كما تفعل مؤسسة سواميناثان للأبحاث ( MSSRF ) في شيناي في الهند. يذهب المشروع هناك إلى ما هو أبعد من تأمين أجهزة الكمبيوتر والصلة بالإنترنت للجماعات الفقيرة: العنصر الأساسي فيه يدور حول تنمية المضمون المحلي في مراكز «القيمة المضافة»، وتطوير قدرات المستخدمين ليتمكنوا، بسهولة، من إيجاد المعلومة التي تناسب احتياجاتهم الحقيقية. تعتبر مراكز المعرفة القروية مثالاً يحتذى به، يختصر تقاطع الأدوات وتأمين الشبكة الناشطة على مستوى محلي.

باتت تلك الشبكات تسمّى «شبكات المواطنين»، ولو أنها تضم إلى إطارها أكثر بكثير من المساحات المدنية أو مواطني أمة محددة. يعرّفها ستيف سيزلر على هذا النحو: «ما هي شبكات المواطنين؟ هي مشاريع الإنترنت التكنولوجية التي تعود بالفائدة على الناس كمواطنين وليس كمستهلكين. هي المشاريع التي تساعد المجموعات المهمشة على الإمساك أكثر بزمام وجودهم وتعطيهم أيضاً حساً أقوى بهويتهم. شبكات المواطنين هي التضمين وهي إمكانية استخدام التكنولوجيا لأغراض ديمقراطية ولتنمية اقتصادية» (38).

في المقال ذاته، يأتي سيزلر على ذكر مانويل كاستيلز الذي يؤمن بأن الشبكات الأهلية هي المفتاح لبناء المؤسسات الاجتماعية، في ظل عالم العولمة المتزايدة. يتمتع كاستيلز بنظرة إيجابية في ما يخص نمو الشبكات الأهلية / المواطنية في التسعينيات ويتوقع مجتمعاً مدنياً عالمياً يفعل ويتفاعل من خلال الشبكات.

أخيراً وليس آخراً

أعيٍ الطاقات التنموية التي يتمتع بها الإنترنت كوني أحد هؤلاء المحظيين في العالم الذين: 1 ـ يتمتعون بالكهرباء، 2 ـ يتمتعون بخط هاتف أرضي، 3 ـ يتمتعون بجهاز كمبيوتر، 4ـ يتمتعون بالمال الكافي لدفع بدل تأمين خدمات الاتصال بالشبكة العالمية، 5 ـ يقرأون ويكتبون بالإنكليزية. على الرغم من ذلك، لست بحاجة إلى مجرد صلة بالإنترنت، وذلك هو تحديداً ما نملكه اليوم: مجرد صلة بالإنترنت تمت بصلة ضئيلة إلى الأكثرية الساحقة من سكان الأرض. ذلك هي حال تتشاركها الإنترنت مع التلفزيون: يبدو أن للكمية سلطة تفرضها على النوعية.

بات من الملح جداً إعلان المشاريع التواصلية كوسيلة من وسائل التنمية والتغيير الاجتماعي. بات من الملح جداً تفادي فوضى ضمها إلى قطاع المضاربات التجارية. يمكن للشروط الخمسة غير القابلة للتفاوض المذكورة أعلاه أن تسهّل المهمة.

هوامش

  1. أفضّل استخدام تعبير «العالم الثالث» بدلاً من «البلدان النامية»، تلك الوسيلة التي تلائم الموضة لتسمية بلدان كثيرة تسير، فعلياً، إلى أسوأ على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  2. البنك الدولي: «الاتصال بالإنترنت المتزايد في الصحراء الأفريقية»، 1996.
  3. غوموسيو ـ داغرون، ألفونسو: «بروميثيوس يقود كاديلاك؟ المراكز التواصلية كالشعلة المعرفة الموعودة». مجلة التنمية التواصلية، عدد 2، مجلد 12، كانون الأول 2001: 85 ـ 93.
  4. كوندا ديكسيت: «منفي في سيبيريا».
  5. هنا، إشارة كلاسيكية إلى الفيلم الهوليوودي: «أرض الأحلام».
  6. بيتر بالانتاين: « e-Development : ما الذي يحويه إسم؟«. www.iconnect-online.org ، 14 كانون الأول، 2001.
  7. في مطلع التسعينيات، أعلن الرئيس سول مينيم الأرجنتين بلداً ينتمي إلى «العالم الأول».
  8. ريكاردو غوميز وجوليانا مارتينيز: «الإنترنت.. لأي غرض؟ »، IDRC و مؤسسة Acceso ، 2001. www.idrc.ca/pan
  9. «الإنترنت والجنوب: أوتوستراداً دولياً أو طريقاً وسخة؟ »، ملخص بانوس الإعلامي، رقم 16، تشرين الأول 1995.
  10. كما جرت العادة في ما يخص الإحصائيات العالمية، تختلف النسب المئوية تبعاً لاختلاف المصدر.
  11. المصادر الرئيسية: المبادرة التواصلية: http/www.comminit.com/BaseLineArchives ، تقرير الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية UNDP ، منتدى التنمية الأفريقية.
  12. شرع ستيف سيزلر في استخدام هذه التسمية منذ سنتين مضتا.
  13. انتشرت الأكواخ التواصلية خلال الثمانينيات في اسكندينافيا، بشكل أساسي. باتت تلك التسمية تستخدم في بعض بلدان أوروبا الوسطى وأوروبا الغربية.
  14. تم تطويرها بدعم من اليونيسكو في أوروبا الوسطى وأوروبا الغربية وفي بلدان مختلفة في آسيا وأفريقيا.
  15. تلك هي التسمية التي أطلقتها مؤسسة سواميناثان للأبحاث ( MSSRF ) على المراكز التواصلية الخاصة بهم في شيناي (الهند).
  16. معظمها مجرد مقاهي إنترنت، مشاريع تجارية.
  17. ميكيالز، سابين وفان كراودر، لوي: «التملك المحلي لتقنيات المعلومات والتواصل»، الفاو، 2001. http/www.fao.org/sd/2001/KN0602a_en.htm
  18. سيمون باتشلور: «منشورات القدرة التنموية لتقنيات المعلومات والتواصل» على http/www.gamos.demon.co.uk/sustainable/tfao2/tfao2.htm
  19. في شمال ـ غرب رومانيا، أعلنت CREST ، وهي منظمة غير حكومية مبدأ يفيد بعدم تأسيس كوخ اقتصادي ما لم يكن المجتمع بحاجة فعلية إليه وعلى أهبة الاستعداد للمشاركة على المستوى البشري و/أو المالي.
  20. تدير أبراج الجماعة السمعية ( CATs ) في الفيليبين مجلس إعلام محلياً مكوّناً من ممثلين عن مختلف قطاعات المجتمع: نساء، شباب، مدرسين، ممرضات، سلطات تقليدية، كبار في السن، إلخ. ويسير العمل فيه بشكل طبيعي. لمزيد من المعلومات، راجع في كتابي فصل: «صناعة الأمواج: التواصل التشاركي من أجل التغيير الاجتماعي»، مؤسسة روكفلر، 2001.
  21. راجع إختبارات «الفجوة في الحائط» المثيرة للاهتمام، في الهند: أطفال يواجهون شاشة كمبيوتر وعصا تحكم من دون أي معلومة تفيدهم حول كيفية الاستخدام.
  22. تقرير الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية، 1999.
  23. سكوت روبنسون: «إعادة تفكير بمراكز التواصل: احتياجات المعرفة، الأسواق المهمشة، المصارف الصغيرة وتدفق الحوالات»، في مجلة الإنترنت، مجلد 6، عدد 2، (شتاء / خريف 2000)، من منشورات مجتمع الإنترنت.
  24. مزيد من المعلومات حول «مراكز المعرفة القروية» موجود في «رسائل من أرض الواقع» (مذكور أدناه)، بالاجي. ف.، ك. ج. راجموهان، ر. راجاسيكارا باندي وس. سنثيلكوماران: «باتجاه نظام معرفي من أجل الأمن الغذائي. تجربة القرية المعلوماتية في بونديتشيري». شتاء / خريف، e-OTI : على الإنترنت، نشرة إلكترونية عالمية تصدر عن مجتمع الإنترنت. آذار ـ نيسان، 2001، 32 ـ 37. http/www.isoc.org.oti ، «صناعة الأمواج: التواصل التشاركي من أجل التغيير الاجتماعي»، بقلم ألفونسو غوموسيو داغرون، «وصل الهند الريفية بالعالم»، بقلم سيليا و. داجر، في «نيويورك تايمز»، 28 أيار 2000.
  25. هيكس، ريتشارد: «تقنيات المعلومات والتواصل، الفقر والتنمية». معلومات تنموية، ورقة العمل الخامسة، معهد السياسة التنموية والإدارة، 1999.
  26. «الإنترنت والفقر: عون حقيقي أم موضة حقيقية؟ »، بانوس ميديا بريفينغ رقم 28، نيسان 1998.
  27. كول، رويال د.، رومان، بول و يانغ، فانغ: «الاتصال هو أكثر من نظام تشغيل: بناء الاستمرارية للمراكز التواصلية». جامعة كورنيل.
  28. يحدد باحث إثني عدد اللغات الحية في العالم بـ680 لغة. تأتي لغة الصين المندرية في المركز الأول مع ما يزيد عن 690 مليوناً ناطق بها كلغة أم، الهندية تحتل المركز الثاني مع 366 مليوناً، الإسبانية تأتي ثالثة مع 358 مليوناً والإنكليزية رابعة مع 341 مليون ناطق بلسانها. (2002)
  29. دانيال بيميانتا وبونوا لاماي: «اللغة الإسبانية والثقافة ذات الأصول الأسبانية على الإنترنت: مقارنة مع الإنكليزية والفرنسية»، تشرين الأول 2001. في http://funredes.org
  30. ألفونسو غوميسيو دارغون: «الإنترنت: التفرقة العنصرية الجديدة؟ ». في http://www.devmedia.org/Papers.cfm?docid=225
  31. إيبيد. ريكاردو غوميز وجوليانا مارتينيز: «الإنترنت.. لأي غرض؟ »
  32. ريكاردو غوميز: «قاعة المرايا: الإنترنت في أميركا اللاتينية». نشرت عن Current History ، مجلد 99، عدد 634، صفحة 72، 2000.
  33. جيوفاني سارتوري، هومو فيدانز (روما: لاتيرزا، 1997). جمعها ريكاردو غوميز، إيبيد.
  34. إيبيد. ريكاردو غوميز وجوليانا مارتينيز: «الإنترنت.. لأي غرض؟ »
  35. جيم ماكدونال: «الجماعات الافتراضية ـ تعليق«. Cine&Media ، /3 2001
  36. مزيد من المعلومات حول InfoDes متوفر في «صناعة الأمواج: التواصل التشاركي من أجل التغيير الاجتماعي»، بقلم ألفونسو غوموسيو داغرون. وفي www.infodes.org.pe
  37. بروس جيرار: «مسؤولية التقاطع، البث والإنترنت في البلدان النامية». www.comunica.org
  38. ستيف سيزلر: «2 المجلس العالمي لشبكات المواطنين، بوينوس أيريس، الأرجنتين». كانون الأول 2001 في home.inreach.com/cisler/ba.htm