(ملخص)
حفنة من أساسيات تقنيات المعلومات والتواصل في المجال التنموي
بقلم ألفونسو غوموسيو ـ داغرون
رأس الحربة
الإنترنت موضة ترافق الحياة وتتلقى دعماً لافتاً من كل من القطاعين الخاص والعام على حد سواء لتكون «رأس حربة» الثورة التكنولوجية، تلك الثورة التي تدّعي أنها اجتماعية أيضاً. سنرى في ما يلي إلى أي حد يمكن الحديث عن «ثوريتها» الاجتماعية.
«أي. سي. تي» أرض الأحلام
استقبلت تقنيات المعلومات الحديثة بالتهليل على اعتبار أنها الحل الذي طال انتظاره لمشكلة الفقر في العالم. يصل الأمر ببعض المنظمات الشديدة التفاؤل، أو غير الملمة بتفاصيل العمل على الأرض، حدّ الحديث عن «فرصة درامية لتنفيذ قفزة سريعة باتجاه المستقبل تخرج بالعالم من عقود الركود والإنحدار» (1).
يمكن لقراءة مختصرة في التاريخ أن تؤمن فهماً أكثر تكاملاً لجذور الفقر العميقة: أسباب التخلّف الحقيقية هي غياب العدالة الاجتماعية، استغلال الدول الغنية للدول الفقيرة، استغلال الطبقات العليا الغنية داخل البلد ذاته للطبقات الفقيرة فيه، علماً أن تلك الطبقات الغنية هي التي تتحكم بالسلطة، بالمؤسسات المالية، بالخدمات والقطاعات المنتجة.
التنمية هي عملية مركّبة تحتاج أكثر بكثير من زرع بذور تقنيات المعلومات والتواصل في الأرياف الفقيرة أو في أحياء المدينة المهمشة. ولو كانت على هذا القدر من السهولة ما كنا لنرى الأحداث الدرامية التي شهدتها الأرجنتين في مطلع العام 2002. بلد متطور، طليعي في اعتماده تقنيات المعلومات والتواصل، يتمتع بجودة النظام الهاتفي والخدمة الكهربائية، يقع في أزمة اقتصادية واجتماعية قاسية، يتخلّف بدلاً من تنفيذ «قفزة سريعة» باتجاه المستقبل (2). لا يمكن للأمر أن يكون بهذه السهولة إلا في أحلام هؤلاء الذين يعرفون القليل عن واقع العالم الثالث لكنهم يثقون بأنهم يعرفون ما هو الأفضل لسكانه.
الهوة (والحرب) الرقمية (السلطوية)
تحوي الشبكة العالمية أكثر من بليون صفحة إنترنت. 11 بليون رسالة إلكترونية يتم تبادلها يومياً. أرقام مثيرة للإعجاب، أليس كذلك؟ ومع ذلك، فإن نسبة تراوح بين 60% و80% من سكان العالم اتصالاً هاتفياً ولو لمرة في حياتها (3). هل هي مجرد صدفة أن يعيش 80% من سكان العالم في دول «نامية»؟
لم تكن الهوة يوماً «رقمية» أو تكنولوجية فحسب. بل هي هوّة اجتماعية، اقتصادية وسياسية. هنا نظرة سريعة باتجاه بطاقة معايدة تصلنا من الجنوب (4):
- نحو 20% من سكان العالم يعتاشون من دخل يقل عن دولار أميركي واحد في اليوم.
- مدن تحتل 2% من المساحة الأرضية، تحوي 50% من سكان العالم، تستهلك 75% من مواده الأولية وينتج عنها 75% من مواده التالفة.
- في العام 1996، نتج عن كل مواطن أميركي غازات سامة توازي ما ينتج عن 19 هندياً، 30 باكستانياً أو 269 نيبالياً.
- يعيش نحو 2.4 بليوني إنسان من دون أساسيات الصحة العامة. يموت مليونا إنسان، معظمهم من الأطفال، سنوياً بسبب الإسهال. يموت مليون إنسان بسبب المالاريا.
- 70% من 1.2 بليون إنسان يعيشون في الفقر هم من النساء، بمعدّل يفيد بأن المرأة تقبض أقل بنسبة 30 إلى 40% من الرجل عن عمل مقارن.
- تنتج النساء نسبة تراوح بين 60% و80% من الطعام في معظم الدول النامية، وتعتبر تلك النسبة في تزايد دائم. تتلقى النساء 5% فقط من الخدمات الزراعية التوسعية المقدمة على المستوى العالمي.
في إطار شبيه يكوّنه الظلم الاقتصادي والاجتماعي والجنسي والسياسي، يصبح ما يأتي غير مفاجئ:
- الكثافة التواصلية بين مئة شخص في الصين هي 1.7، وفي الهند 0.8 – وذلك ضمن بلدين يتمتعان بمساحة ضخمة.
- في ريف البلدان النامية، تبقى الكثافة التواصلية أدنى من 0.1%.
- 6% فقط من سكان العالم يستخدمون الإنترنت.
- 90% من مجمل مستخدمي الإنترنت ينتمون إلى البلدان الصناعية.
- لا يتعدى مستخدمو الإنترنت في أفريقيا والشرق الأوسط نسبة 1% من مجمل مستخدمي الإنترنت في العالم.
- يفوق عدد مشتركي الإنترنت في بريطانيا وحدها مجمل عددهم في قارة أفرقيا.
- يفوق عدد أجهزة الكمبيوتر الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية مجمل عددها في العالم.
- يحوي جنوب أسيا، وفيه 23% من سكان العالم، نسبة تقل عن 1% من مستخدمي الإنترنت في العالم.
- يتمتع أكثر من 40% من المنازل السكنية في الولايات المتحدة الأميركية باشتراك في الإنترنت.
- يستخدم 0.005% من سكان بنغلادش الإنترنت.
- ما يوازي 52% من مستخدمي الإنترنت في العالم لا ينطقون باللغة الإنكليزية.
- في معظم دول العالم الثالث، يحتاج المرء إلى سنة أو أكثر للحصول على خط هاتفي، وهو متوفر حصرياً في المدن.
- يوازي ثمن استخدام ساعة للإنترنت في تشاد 10.50 دولاراً أميركياً (الناتج المحلي الإجمالي للفرد يوازي 187$).
- المعدل الشهري لكلفة استخدام الإنترنت في أفريقيا هو 240$. في الولايات المتحدة الأميركية، تبلغ الكلفة ذاتها 20$.
- يتكلف مواطن بنغلادشي متوسط الدخل لامتلاك جهاز كمبيوتر ثمانية أضعاف دخله السنوي، بالمقارنة مع الأجرة الشهرية التي يتقاضاها مواطن أميركي متوسط الدخل.
الاستقرار: فلنرسم الخط
تم فرض مبدأ الاستقرار المالي علينا، مبدأ يستثني أشكال الاستقرار الأخرى، تفرضه القوى ذاتها التي تدفع باتجاه خصخصة قطاعي التربية والصحة، دعاة السياسات النيوليبيرالية الذين يؤمنون بأنه ليس من واجب الدولة تأمين أي خدمة اجتماعية مجاناً، وبأنه على أي نشاط إنساني أن يخضع لقوانين السوق.
للاستقرار علاقة بمروحة واسعة من المواضيع. فلنراقب الملكية، مثلاً: الملكية العامة هي سبيل لتأمين استقرار مشروع تواصلي داخل مجتمع. مع ذلك، لتلك الملكية جوانب كثيرة. يستلزم ضمان استقرار مشروع ملكية عامة أن تتمتع الجماعة بحق الامتلاك القانوني، وأن تكون الجماعة قد تلقت التحضير اللازم لتحمّل مسؤولية المشروع لأنها دمجته بذاتها وبات جزءاً منها.
فلنعاين حفنة من الشروط غير القابلة للتفاوض في تنمية تقنيات المعلومات والتواصل:
1 ـ الملكية العامة
مشاكل
كشف إحصاء أجرته الفاو في العام 2001 حول التنمية بواسطة تقنيات المعلومات والتواصل، أن معظم المشاريع تم فرضه من دون استشارة الجماعة المعنية. من بين تلك الاكتشافات:
- تم رصد حالات محدودة جداً من الإشراف الاجتماعي على تقنيات المعلومات والتواصل، وقدّمت رؤية مستقبيلة مخيفة.
- نادراً ما تسبق الإحصاءات عن الاحتياجات إنشاء المراكز التواصلية.
- كثيراً ما يصرف الجهد والتركيز الأساسيان على تأمين خدمة الإنترنت بدلاً من صرفهما على ابتكار السبل لملاءمة تقنيات المعلومات والتواصل مع احتياجات الجماعات والمجموعات المحلية.
- تحدد أولويات الكثير من مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل تبعاً لمصالح المنظمات الخارجية بدلاً من تلك المحلية.
- تعكس الأفكار الرئيسية التطبيقية في معظم الأحيان منظاراً اقتصادياً، على تماس مباشر مع السوق.
- تم رصد نقص في المشاركة المحلية عند صياغة المضمون واختيار الأدوات المستخدمة في تقنيات المعلومات والتواصل.
- يوجد الكثير من مراكز التواصل التي تتوفّر فيها أجهزة كمبيوتر ولا تؤمن اللازم في مجالات التوعية، المهارات في استخدام تقنيات المعلومات والتواصل، وقدرات القراءة والكتابة التي تمهد لآلية التملّك المحلي (5).
أطلق بعض حكومات العالم الثالث «حملة جهادية» لتأسيس اتصال على المستوى الوطني بالإنترنت، كطريق مختصرة باتجاه الحداثة. من المؤسف الإشارة إلى أن الحكومات ذاتها لم تطلق أي «حملات جهادية» في السابق لتؤمن لمواطنيها المياه النظيفة أو الطرقات التي تصل الجماعات الفقيرة والمهمشة ذاتها بالمجتمع. إلا أن تقنيات المعلومات والتواصل تبقى «على الموضة» مما يمكّن الحكومات من الحصول على ريع مادي خارجي للمضي قدماً في الحملة الإلكترونية الصليبية، مستخدمة ذريعة تفيد بأن الاتصال بالإنترنت هو مفتاح التنمية.
تحديات
أن تشعر الجماعات بأنها معنية في مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل التي تخدم المصلحة العامة ـ أو سواها من المشاريع ذات الطابع التنموي الاجتماعي والاقتصادي ـ هو الشرط الأساسي المسبق غير القابل للتفاوض لإطلاق تلك المشاريع.
ليس كافياً فتح النقاش مع الحكومات أو السلطات المحلية. قد يبدو نقاشاً يشبه «طريقاً مختصرة» لتنفيذ الانطلاق المنشود، إلا أنه بوسع عارض «الطريق المختصر» هذا الملاصق لذهنية بعض المنشطين لتقنيات المعلومات والتواصل أن يعود بالضرر أكثر منه بالفائدة. فالعملية هنا ليست سباق المئة متر حيث تجسد السرعة عنصر النجاح الأول. العملية هنا أشبه بماراتون، ولن يكون بوسعك أن تنهيه يوماً إن صرفت طاقاتك كلها في اجتياز المئة متر الأولى.
أما بالنسبة إلى أي برنامج عمل تنموي آخر فلا مفر من مناقشة أي مشروع في تقنيات المعلومات والتواصل أو إذاعة محلية مع ممثلين عن الجماعات المحلية. وسيكون من المفيد كبداية أن يُسألوا ما إذا كانوا مهتمين بالمشروع أم لا. إذ أنه من الممكن أن يفضل العديد من الجماعات الريفية أو حتى المدنية الحصول على مياه نظيفة وكهرباء أولاً، بدلاً من أجهزة الكمبيوتر (6).
يمكن للجماعات أن تقدّم الأرض وتتحمل مسؤولية تشييد المبنى الذي سيحوي الكمبيوترات و/أو الإذاعة وصيانته. ويمكن لها أن تؤمّن المتطوعين لإدارة المشروع. كما يمكن للجنة المحلية أن تتحمل مسؤولية إدارة بعض الشؤون الخاصة بالمضمون، على غرار ما يجري في الإذاعات المحلية فتتولى، مثلاً، ممرضة مسؤولية البرنامج الصحي.
ذلك لا يعني أن الجماعات دائماً على حق وأن كلمتها تلامس القدسية. في مجال التنمية، عادة، نتعلم، التمييز بين احتياجات المجتمع الحقيقية وبين احتياجاته «المحسوسة». مثلاً: يمكن للجماعة أن تعبّر، بسهولة، عن احتياجها للماء وللطرقات وأن تتجاهل أهمية التلقيح أو التعليم (ناهيك عن تقنيات المعلومات والتواصل!). الحل السحري يكمن في الحوار بين الجماعة والمنظمين.
- المضمون المحلي
مشاكل
التالي هو قول بات مأثوراً: 90% من مضمون الشبكة العالمية يبقى غريباً عن 90% من سكان العالم. لا يمت مضمون الإنترنت، في شكله الحالي، بأية صلة إلى معظم مستخدميها الذين وجدوا أنفسهم منذ مدة قصيرة أمام جهاز كمبيوتر. يمكن لهم أن يتجولوا بين صفحاتها، كطفل يلهو بلعبته الجديدة (7)، ويتعلموا كيفية استخدام الآلة، ويبقى من النادر بالنسبة إليهم إيجاد معرفة يمكن لها أن تعود بالفائدة عليهم في حياتهم اليومية.
تشير عدة تقارير مصدرها المراكز التواصلية في بلدان أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية إلى أن معظم رواد تلك المراكز فيها هم من الطلاب أو الأساتذة، وليس فئات المجتمع الأكثر فقراً. كما تشير تلك التقارير إلى أن معظم روادها يؤمونها بحثاً عن خدمات الهاتف، الجرائد، النسخ، الفاكس، الكمبيوتر وليس لاستخدام الإنترنت أو شبكة المعلومات العالمية. في الواقع، لا تقدّم معظم مراكز التواصل في أفريقيا خدمة الإنترنت. وهي، في حقيقة الأمر، مراكز للإتصال بواسطة الهاتف، قد تحوي جهاز كمبيوتر أو جهازين لتأمين خدمات الطباعة. وعندما تتوفر خدمة الإنترنت، يمكن للطلاب والأساتذة الريفيون أن يستخدموها في دردشة مكتوبة (تشات) أو لخط رسالة إلكترونية (إن توفر لهم طرف ترسل إليه). أما معظم الشرائح الاجتماعية الأخرى، وهي تعدّ الأكثرية، فتلجأ إلى تلك المراكز بحثاً عن الخدمات الأخرى. في بنغلادش، أنشأ «مصرف غرامين» نظاماً فائق الإنتشار لخدمة أجهزة الهاتف الخلوي تستفيد منه أكثر القرى عزلة، بدلاً من أن ينشر أجهزة الكمبيوتر فتصبح في متناول الجميع.
تحديات
تطوير المضمون المحلي هو الشرط الوحيد والأكثر أهمية وغير القابل للتفاوض لتنمية تقنيات المعلومات والتواصل إن كان هدفها التغيير الاجتماعي والتقدّم الفعلي لدى الجماعات المدنية والريفية، على حد سواء.
لا يتماشى محيط المعرفة الذي تقترحه الشبكة العالمية واحتياجات أكثرية الشعب. تختلف الاحتياجات باختلاف البلدان، وحتى داخل البلد الواحد ـ بشكل خاص في دول العالم الثالث ـ يتطلب تعدد الثقافات مقاربات خاصة. علينا أن نخترع شبكات صغيرة ونضاعف عددها: مواقع تتناول الجغرافيا الضيقة للمكان أو «شبكات الجماعات المحلية»، لتصبح الشبكة العالمية عالمية بالفعل ومفيدة لأكثرية سكان الكوكب وليس للصورة المثالية عن مستخدم الإنترنت في العالم: ذكر، أقل من 35 عاماً، انهى دراسته الجامعية أو يتمتع بدخل مرتفع، يعيش في المدينة ويتقن الإنكليزية – ينتمي إلى أقلية نخبوية (8) – وعلى قياسه، صممت الإنترنت.
التكنولوجيا الملائمة
مشاكل
عندما نأخذ بالاعتبار نسبة تشير إلى أن مواطناً من بين كل ثلاثة مواطنين في العالم يفتقر إلى الكهرباء وأن المياه النظيفة هي موضوع مخيف بالنسبة لمساحات واسعة من العالم، نتذكر أن أجهزة الكمبيوتر لا تزال مصنفة في خانة الكماليات.
يجب استبدال جهاز الكمبيوتر بعد مرور أقل من خمسة أعوام على تشغيله. لكن، قبل أن يحين موعد استبداله بفترة زمنية طويلة نسبياً، يجب تجديد الأنظمة التشغيلية فيه: فلقد تم تنظيم السوق على أساس يفيد بأن تحميل الأنظمة الجديدة التي لا تتضمن أكثر من تعديلات تشغيلية طفيفة على النسخة الأقدم تتطلب تبديلاً لأنظمته الأساسية، مهما يستوجب استبدالاً لجهاز الكمبيوتر بأكمله من دون أن تستدعي الحاجة المباشرة ذلك. ما هي حدود العصرية المطلوبة من أجهزة الكمبيوتر المتمركزة في مراكز اتصال حديثة الإنشاء في مناطق ريفية ضئيلة الخبرة في مجال تقنيات المعلومات والتواصل؟ ما هي النسبة المئوية من طاقة الجهاز التي سيجري فعلاً استهلاكها خلال سنتين أو ثلاث هي مدة صلاحية المعدات؟ هل يمكن إصلاح الأجهزة محلياً؟ هل قطع الغيار مؤمنة؟ أين يمكن للمرء أن يبتاع جهاز كمبيوتر صمم ليعيش بدلاً من جهاز صمم ليستبدل؟
تحديات
ثالث الشروط غير القابلة للتفاوض في إطار سعي تقنيات المعلومات والتواصل للتغيير الاجتماعي هو استخدام الأدوات المناسبة. يجب اعتماد التكنولوجيا التي تتلاءم واحتياجات المجتمع وليس على المستوى التقني فحسب وإنما أيضاً على مستوى الاستخدام، التعلّم والتبني.
تعتبر الأدوات مناسبة عندما تطور الجماعات حس ملكية تجاهها من خلال آلية «استيلاء» متواصلة على المشروع. لا يجب أن يفهم ذلك الاستيلاء على أنه مجرد اعتماد للتكنولوجيا أو تطوير للمهارات في التعامل مع برامج الكمبيوتر. اكتساب المهارات هو خطوة مهمة، لكنه ليس الخطوة النهائية. يتشارك الأهمية ومواضيع أخرى: الإدارة، إنتاج المضمون المحلي، مناهج البحث، التدريب والنشاطات البعيدة المدى، وذلك غيض من فيض.
تماماً كما كانت إذاعة محلية لتفعل، يجب الانطلاق من تأسيس مراكز تواصلية أو سمعية بصرية تعتمد على الأنظمة الأساسية في تشغيل الجهاز، ومن ثم تتم مراقبة التفاعل معها في بحر سنتين أو ثلاث لاتخاذ قرار حول ما إذا كان من الواجب تحديثها بشكل جزئي أو كلي. وتكمن إحدى حسنات التكنولوجيا الجديدة في كونها قادرة على أن تؤمن لك مروحة أوسع من الخيارات. للأسف، لا تعاين تلك الخيارات إلا قلة من المخططين أو المستشارين من الخارج. معظمهم يتجه نحو مايكروسوفت وأجهزة «إنتل» باهظة الثمن ولا يلقون ولو حتى نظرة باتجاه «سمبيوتر»، مثلاً، وهو جهاز كمبيوتر تم صنعه في الهند ويبلغ ثمنه 200$، أو «لينوكس»، نظام تشغيل مجاني قادر على أن يمكّن أجهزة الكمبيوتر كلها من استقبال الإنترنت.
2- اللغة والثقافة الملائمة
مشاكل
قبل خمس سنوات، لا أكثر، كانت نسبة 90% من الصفحات المتوفرة عبر مواقع الإنترنت تعتمد اللغة الإنكليزية. اليوم، وبحسب عدد من الدراسات، تقلصت تلك النسبة لتصبح 50%. من بين ستة بلايين نسمة يسكنون الأرض، ينطق نحو 341 مليوناً منهم بالإنكليزية، كلغة أم (9). الإسبانية هي لغة أولى بالنسبة إلى 358 مليون إنسان، وعلى الرغم من ذلك لا تتعدى نسبة حضورها في الإنترنت 5.62 بالمئة. وعلى الرغم من أن الإنكليزية، كما يبدو جلياً، ليست أكثر اللغات حضوراً في العالم، تبقى الأكثر حضوراً بين 500 مليون مستخدم للإنترنت، حتى إن مواقع كثيرة في العديد من البلدان الأوروبية والعالمثالثية غير الناطقة باللغة الإنكليزية تأتي بالإنكليزية.
يجسد الإنترنت، كما هو اليوم، نوعاً جديداً من أنواع التمييز العنصري ومن الواجب تغيير ذلك (10). «لغة الإنترنت الرسمية باتت لون البشرة الجديد في تحديد التفوق الثقافي، والهيمنة الثقافية في أقصى حدودها». أضف إلى ذلك أن الانتشار الذي يعرفه الإنترنت في شكله الحالي قادر على المساهمة في إبادة الثقافات غير الممثلة فيها.
فمن الصعب تحديد درجة التنوع الثقافي الحاضر في الإنترنت، وتعتبر بعض المحاولات لتحديده مضللة وشديدة البعد عن الموضوعية. فلا يمكن اعتبار الحضور الطاغي لنجوم غناء وترفيه لاتينيين بين صفحات الإنترنت دليلاً على التنوع الثقافي فيها. إلى أي مدى يمكن لريكي مارتن أو أنطونيو بانديراس أو سانتانا، وهم نجوم عرفوا شهرتهم في الولايات المتحدة الأميركية، أن يساهموا في التنوع الثقافي؟
تحديات
ثالث الشروط غير القابلة للتفاوض في إطار سعي تقنيات المعلومات والتواصل للتغيير الاجتماعي يكون، بناء على ما تقدم، اللغة والثقافة الملائمة.
مهمة توسيع المساحة الخاصة بالتفاعل الثقافي في العالم الافتراضي ليست سهلة. فحتى ولو قامت مواقع عدة بمضاعفة الصفحات التي تمثل تنوع العالم الثقافي، سيكون علينا أن نجعل تلك الصفحات «مرئية». فالشبكة أشبه بالمحيط منها بالمكتبة. يتطلب «اصطياد» المعلومة المناسبة الكثير، إذ أن معظم وسائل البحث على الشبكة تأتينا بالصفحات التي شهدت أكبر عدد زوار وليس تلك التي تحوي المعلومات المناسبة لموضوع البحث. ومعظم تلك الصفحات التي تحضر سريعاً عند ممارسة أي بحث هي صفحات تجارية دفعت المال للمواقع التي تقود البحث في مقابل أن تضعها في موقع متقدم ضمن نتائج البحث.
لن يشهد هذا الوضع تحسناً إلا من خلال زيادة إنتاج المضمون المحلي. نحن بحاجة إلى مئات آلاف الصفحات الجديدة القادرة على تجسيد التنوع الثقافي واللغوي، ماضياً وحاضراً.
3 ـ التقاطع والتشبيك
مشاكل
قد يكون عزل العديد من مشاريع تقنيات المعلومات والتواصل عن مشاريع أخرى تهدف إلى خدمة الغرض ذاته، أحد أسباب كل هذا الفشل. نحن بحاجة إلى هدم المنطق الغربي الذي يملي علاقات معزولة ومغلقة تنمو بين الكمبيوتر ومستخدمه، ومن بعدها علينا أن نتطور باتجاه الاستخدام الجماعي لتقنيات المعلومات والتواصل. انطلاقاً من منطق الاستقرار، بات من الملح علينا أن نفكر بعدد أكبر من شبكات المستخدمين ضمن جماعة أكثر تعداداً وتتمتع بالاهتمامات المشتركة.
«هل يمكن للشبكة المستقبلية أن تصبح شبكة واسعة مجزأة تضم أفراداً معزولين ـ كالنحل، كلٌ في خليته ـ يتفاعلون مع مجموعة من المعطيات بدلاً من التفاعل مع بعضهم بعضاً؟ »، سؤال يطرحه المجلس البااوي للتواصل الاجتماعي (11). «علينا أن نتأكد من أن الجماعة الافتراضية موضوعة في خدمة الجماعات الحقيقية، وليست بديلاً منهم»، يضيف د. جورج كاري، رئيس أساقفة الطائفة الإنجيلية في كانتربيري.
تحديات
التقاطع والتشبيك ليسا من الشروط غير القابلة للتفاوض في معرض ضمان الاستقرار على المدى البعيد.
تعتبر المدارس كبنى أخرى تتمتع بأهمية استيعابها للتنمية عبر تقنيات المعلومات والتواصل، وذلك ليس فقط لتواجدها في أكثر الأماكن المعدمة في الريف العالمي، وإنما أيضاً بسبب قابليتها لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة على مستوى المهارات والأساتذة والطلاب. لكن، يبقى من الهام تأمين التفاعل مع المجتمع ككل لتفادي خلق كيان مقفل على مجموعة ضيقة ومحظية.
إن كنا نهدف إلى تدعيم التنمية كوسيلة للتغيير الاجتماعي، علينا أن ننتبه إلى الطاقات الهائلة التي يمكن أن تنتج عن التقاطع بين تقنيات المعلومات والتواصل وبين المنظمات غير الحكومية التنموية. نحن لا نعني هنا أن تقوم المنظمات غير الحكومية بتزويد مراكزها بأجهزة الكمبيوتر ووصلها بالشبكة، لن تنتج عن ذلك الطاقات المرجوة. فالتحدي الحقيقي يكمن في استخدام تلك المنظمات تقنيات المعلومات والتواصل كأداة أخرى تنضم إلى أدوات العمل التنموي، تماماً كما تفعل مؤسسة سواميناثان للأبحاث ( MSSRF ) في شيناي في الهند.
باتت هناك شبكات تعرف باسم «شبكات المواطنين»، ولو أنها تضم إلى إطارها أكثر بكثير من المساحات المدنية أو مواطني أمة محددة. يعرّفها ستيف سيزلر على هذا النحو: «هي مشاريع الإنترنت التكنولوجية التي تعود بالفائدة على الناس كمواطنين وليس كمستهلكين. هي المشاريع التي تساعد المجموعات المهمشة على الإمساك أكثر بزمام وجودهم وتعطيهم أيضاً حساً أقوى بهويتهم» (12).
أخيراً وليس آخراً
أنا واعٍ للطاقات التنموية التي يتمتع بها الإنترنت كوني أحد هؤلاء المحظيين في العالم الذين: 1 ـ يتمتعون بالكهرباء، 2 ـ يتمتعون بخط هاتف أرضي، 3 ـ يتمتعون بجهاز كمبيوتر، 4 ـ يتمتعون بالمال الكافي لدفع بدل تأمين خدمات الاتصال بالشبكة العالمية، 5 ـ يقرأون ويكتبون بالإنكليزية. على الرغم من ذلك، لست بحاجة إلى مجرد صلة بالإنترنت، وذلك هو تحديداً ما نملكه اليوم: مجرد صلة بالإنترنت تمتّ بصلة ضئيلة إلى الأكثرية الساحقة من سكان الأرض. ذلك هو حال يتشاركه الإنترنت مع التلفزيون: يبدو أن للكمية سلطة تفرضها على النوعية.
هوامش
(1) البنك الدولي: «الاتصال بالإنترنت المتزايد في الصحراء الأفريقية»، 1996.
(2) في مطلع التسعينيات، أعلن الرئيس سول مينيم الأرجنتين بلداً ينتمي إلى «العالم الأول».
(3) كما جرت العادة في ما يخص الإحصائيات العالمية، تختلف النسب المئوية تبعاً لاختلاف المصدر.
(4) المصادر الرئيسية: المبادرة التواصلية: http/www.comminit.com/BaseLineArchives ، تقرير الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية UNDP ، منتدى التنمية الأفريقية.
(5) ميكيالز، سابين وفان كراودر، لوي: «التملك المحلي لتقنيات المعلومات والتواصل»، الفاو، 2001.
http/www.fao.org/sd/2001/KN0602a_en.htm
(6) في شمال ـ غرب رومانيا، أعلنت CREST ، منظمة غير حكومية مبدأ يفيد بعدم تأسيس كوخ اقتصادي ما لم يكن المجتمع بحاجة فعلية إليه وعلى أهبة الاستعداد للمشاركة على المستوى البشري و/أو المالي.
(7) راجع اختبارات «الفجوة في الحائط» المثيرة للاهتمام، في الهند: أطفال يواجهون شاشة كمبيوتر وعصا تحكّم من دون أية معلومة تفيدهم حول كيفية الاستخدام.
(8) تقرير الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية، 1999.
(9) يحدد باحث إثني عدد اللغات الحية في العالم بـ6800 لغة. تأتي لغة الصين المندرية في المركز الأول مع ما يزيد عن 690 مليون ناطق بها كلغة أم، تحتل الهنديةْ المركز الثاني مع 366 مليوناً، تأتي الإسبانية ثالثة مع 358 مليوناً والإنكليزية رابعة مع 341 مليون ناطق بلسانها. (2002)
(10) ألفونسو غوميسيو دارغون: «الإنترنت: التفرقة العنصرية الجديدة؟ ». في http/www.devmedia.org/Papers.cfm?docid=225
(11) جيم ماكدونال: «الجماعات الافتراضية – تعليق». Cine&Media ، /3 2001
(12) ستيف سيزلر: «2 المجلس العالمي لشبكات المواطنين، بوينوس أيريس، الأرجنتين». كانون الأول 2001 في home.inreach.com/cisler/ba.htm
|